في الأيام الأولى للثورة كانت أماكن التظاهر في دمشق وريفها معدودة، لذلك تحولت هذه الأماكن لمقصد لمختلف الشباب والشابات الذين لم تنطلق المظاهرات بعد في بلداتهم ومناطقهم، ومن أشهر الأماكن التي قصدوها في مدينة دمشق كان المسجد الأموي وجامع الرفاعي ومنطقة المزة، وفي ريف دمشق كانت دوما وداريا والمعضمية لقربهم من المدينة، وكان الكثير من التنسيق وتوجيه الدعوة للتجمع تتم تحت مسمى "حول بكرا اشراب فنجان قهوة".
كانت الدعوة على فنجان قهوة من أشهر أدوات التشفير التي استعملها السوريون في بداية الثورة، حيث تختصر النقاش وتحديد موعد اللقاء ومكانه، وإن كانت دعوة عادية في مختلف أيام الإسبوع، إلا أنها تصبح من نوع آخر وذات نكهة خاصة في ليلة الجمعة.
كانت هذه الطريقة في التنسيق من أبسط الطرق وأسهلها فالدعوة إلى فنجان القهوة هو الخاتمة الطبيعية لكل حديث بين السوريين، وبمقدار ما تميز به السوريين من مرونة وقدرة مذهلة على ابتكار الأساليب لتحميهم من أعين النظام ومخابراته، بقدر ما عوض الاخير عن قلة حيلته وغباء عناصره بمزيد من البطش والوحشية.
جمعة العزة
يمكن اعتبار جمعة العزة 25 آذار 2011 بأنها الرد القوي والقاطع على فرضيات المشككين بامكانية انخراط السوريين بثورة شاملة وكان الرد الأبلغ جاء من العاصمة وريفها.
كان الأيام الستة ما بين 18 آذار و25 آذار قاسية على السوريين وهم يتابعون الافلام المرفوعة على يوتيوب، ويرون أخوتهم في درعا كيف يقتلون ويضربون بشكل وحشي. هذا الرد القاسي من النظام وبدلاً من ادخال الرعب والخوف في النفوس فقد فجر فيها نوعاً آخر من التحدي وكان القرار "لن نسمح لهؤلاء القتلة بحكمنا بعد اليوم".
في 25 آذار اشتعلت العاصمة وريفها فعمت المظاهرات عدة مناطق في دمشق، جامع الأموي وصولاً للمرجة، جامع الرفاعي، مناطق في المزة. وفي ريفها، داريا، دوما، الزبداني، كفر بطنا، الحجر الأسود، تل منين، المعضمية، سقبا وغيرها من بلدات ومدن الريف الدمشقي.
عزل الريف الدمشقي
يحيط الريف الدمشقي بمدينة دمشق ويتداخل معها في بعض المناطق، ويبلغ عدد سكانه حوالي 2.5 مليون نسمة، ويشتهر ريف دمشق بتنوع تضاريسه ما بين جبل وسهل وهذا أثمر عن تنوع وغنى بمزروعاته وثروته الحيوانية، بالاضافة لتمركز الكثير من المصانع فيه.
قام حافظ الأسد بمحاولات لعزل الريف عن مدينته فأحاط دمشق بحزام عسكري شوه المدينة وقطعها عن امتداداتها الطبيعية، حيث صادر الأراضي وحولها إما لمعسكرات لقطعات عسكرية معينة مقربة له، أو لمساكن لضباطه وعائلاتهم كما استملك الباقي، وبذلك منع العمران في دمشق المدينة وريفها من التمدد الطبيعي واعتدى النظام على الكثير من الأراضي الزراعية.
مع بدء التضييق على الداخلين إلى دمشق وبدء ظاهرة الحواجز وعزل المدن والمناطق عن بعضها بدأ أهالي ريف دمشق بتنظيم مظاهراتهم ضمن بلداتهم ومدنهم، وبذلك منعهم النظام من امكانية التكتل في مظاهرات ضخمة يعجز عن الوقوف في وجهها.
محاولات للاعتصام
كان الشغل الشاغل للنظام منع توحد المظاهرات والأهم منع الاعتصامات، وقد فهم السوريون هذه السياسة وأدركو أن تمكنهم من الوصول لإحدى الساحات والاعتصام فيها سيكون ضربة قوية للنظام ولخطته التي تقوم على مبدأ الفصل ومنع التقاء المظاهرات، ويمكن اعتبار المحاولة التي قام بها أهالي مدن الغوطة الشرقية للتوجه إلى ساحة العباسيين في جمعة الاصرار 15 نيسان 2011 (من دوما وبعدها الى حرستا ومن حرستا الى عربين ومن ثم زملكا جوبر ) حيث سار المتظاهرين قرابة 3 ساعات للوصول إلى الساحة لكن عناصر النظام وشبيحته استقبلوا المظاهرة الضخمة بالغازات المسيلة للدموع والرصاص. لتعود الجموع بعد اسبوع دامي من المواجهات بين المتظاهرين السلميين وعناصر النظام للمحاولة من جديد في الجمعة العظيمة ولكن النظام وعقب توجيه الدعوات يوم الخميس بالتوجه إلى الساحات واجه المظاهرات السلمية في عموم سورية بالنار وليرتقي يومها أكثر من 84 شهيداً.
فصائل متفرقة
اتبع النظام مع الريف الدمشقي لا سيما المدن القريبة من دمشق أساليب بالغة العنف والمكر، فعمد إلى تعزيز دفاعاته وحواجز الفصل بينهما، لخشيته من تمكن أهاليها من دخول دمشق والالتحام مع سكان العاصمة وهكذا استطاع فصل حي الميدان وكفرسوسة عن داريا والقدم، وعزل الزبداني، وأغلق مداخل جنوب دمشق بوجه أهالي الغوطة الشرقية.
من جهة أخرى أدى عدم اعتماد السرية في التنسيق بين المدن وعدم تبلور قيادات م
حلية، إلى كشف كل محاولات الالتقاء بغية الوصول لساحات واماكن استراتيجية للاعتصام فيها، بحيث كان النظام قادراً على تجنبها وافشال هذه المحاولات بمجرد انطلاقها. ستستمر حالة غياب التنسيق مع ظهور الجيش الحر، وسيؤدي ذلك إلى تكاثر للكتائب والفصائل التي يجتمع بعضها تحت مسمى الجيش الحر بينما قرر بعضها الآخر البحث عن مرجعية "إسلامية" لتمييزه عن الحر، وبالرغم من ذلك بقيت هذه الفصائل مناطقية ومعزولة عن بعضها، فمرجعية الفصائل بقيت مجرد شعارات طنانة وعاطفية دون أن تكون سبيلاً للتوحد أو على الأقل التنسيق، وسيستغل النظام هذه الحالة لتوجيه ضرباته بشكل منفصل إلى كل مدينة على حدى وأحيانا لكل فصيل لوحده!.
ما بين حصار النظام وتسلط الفصائل
اتبع النظام مع المناطق المحررة في الريف الدمشقي سياسة الحصار، وظهر في معظم هذه المناطق ما يسمى بتجار الأزمة، بل عرفت بعض المناطق ظهور بعض ضعاف النفوس يعتاشون على حالة الحصار ويستثمرون فيها، بينما بقيت مختلف فصائل الثوار، مع اختلاف الأسماء والمرجعيات وما يرفعون من شعارات، تشكو من فرقة محزنة تساهم في استمرار الحصار وتوقف عمليات التحرير تقريباً، بل وتمكن النظام، الذي يعتمد بطبيعة الحال على الدعم الإيراني الروسي وجيوش المرتزقة التي تزوده بها إيران، من إعادة الاستيلاء على بعض المدن المحررة مثل (المليحة) و(الذيابية) وبعض أحياء وبلدات الجنوب الدمشقي، بالرغم من الملاحم الرائعة التي سطرها أبناؤها في تصديهم لهجوم الميليشيات وعناصر الأسد، في غياب لاستراتيجية واضحة لفصائل الغوطة عن كيفية التصدي للحصار والهجمة الإيرانية.
يعاني الأهالي في المناطق المحررة من الريف الأمرين، من غلاء فاحش في الأسعار وغياب لسلطة قضائية قادرة على فرض القانون، ومنع التجار وضعاف النفوس من استغلال الناس، وفض الخصومات بين الفصائل، ناهيك عن صواريخ النظام وقنابله التي لا تهدأ وتستهدف أحياءهم ومدارس أبنائهم.
كما أن العمل المدني والاعلامي يعاني من ضعف شديد بسبب تسلط العسكريين وتحكمهم بالنشطاء مما أدى لضعف خطير في العمل الإعلامي والتواصل مع وسائل الإعلام لنقل جزء من حقيقة الوضع الانساني الصعب للأهالي، كما أدى التضييق على العمل المدني إلى انخفاض في النشاطات المدنية التي من شأنها التخفيف على الأهالي ومساعدتهم لتجاوز الآثار التدميرية للحرب التي يشنها النظام وميليشيات المرتزقة التابعة لإيران عليهم.
الريف الدمشقي بحاجة لاعادة النظر في سياسة الفصائل العسكرية، والبحث الجدي عن إطار جديد يجمعها بعيداً عن نزاعات وهمية لا قيمة لها، أمام التهديد الجدي من قبل إيران وميليشياتها.
كانت الدعوة على فنجان قهوة من أشهر أدوات التشفير التي استعملها السوريون في بداية الثورة، حيث تختصر النقاش وتحديد موعد اللقاء ومكانه، وإن كانت دعوة عادية في مختلف أيام الإسبوع، إلا أنها تصبح من نوع آخر وذات نكهة خاصة في ليلة الجمعة.
كانت هذه الطريقة في التنسيق من أبسط الطرق وأسهلها فالدعوة إلى فنجان القهوة هو الخاتمة الطبيعية لكل حديث بين السوريين، وبمقدار ما تميز به السوريين من مرونة وقدرة مذهلة على ابتكار الأساليب لتحميهم من أعين النظام ومخابراته، بقدر ما عوض الاخير عن قلة حيلته وغباء عناصره بمزيد من البطش والوحشية.
جمعة العزة
يمكن اعتبار جمعة العزة 25 آذار 2011 بأنها الرد القوي والقاطع على فرضيات المشككين بامكانية انخراط السوريين بثورة شاملة وكان الرد الأبلغ جاء من العاصمة وريفها.
كان الأيام الستة ما بين 18 آذار و25 آذار قاسية على السوريين وهم يتابعون الافلام المرفوعة على يوتيوب، ويرون أخوتهم في درعا كيف يقتلون ويضربون بشكل وحشي. هذا الرد القاسي من النظام وبدلاً من ادخال الرعب والخوف في النفوس فقد فجر فيها نوعاً آخر من التحدي وكان القرار "لن نسمح لهؤلاء القتلة بحكمنا بعد اليوم".
في 25 آذار اشتعلت العاصمة وريفها فعمت المظاهرات عدة مناطق في دمشق، جامع الأموي وصولاً للمرجة، جامع الرفاعي، مناطق في المزة. وفي ريفها، داريا، دوما، الزبداني، كفر بطنا، الحجر الأسود، تل منين، المعضمية، سقبا وغيرها من بلدات ومدن الريف الدمشقي.
عزل الريف الدمشقي
يحيط الريف الدمشقي بمدينة دمشق ويتداخل معها في بعض المناطق، ويبلغ عدد سكانه حوالي 2.5 مليون نسمة، ويشتهر ريف دمشق بتنوع تضاريسه ما بين جبل وسهل وهذا أثمر عن تنوع وغنى بمزروعاته وثروته الحيوانية، بالاضافة لتمركز الكثير من المصانع فيه.
قام حافظ الأسد بمحاولات لعزل الريف عن مدينته فأحاط دمشق بحزام عسكري شوه المدينة وقطعها عن امتداداتها الطبيعية، حيث صادر الأراضي وحولها إما لمعسكرات لقطعات عسكرية معينة مقربة له، أو لمساكن لضباطه وعائلاتهم كما استملك الباقي، وبذلك منع العمران في دمشق المدينة وريفها من التمدد الطبيعي واعتدى النظام على الكثير من الأراضي الزراعية.
مع بدء التضييق على الداخلين إلى دمشق وبدء ظاهرة الحواجز وعزل المدن والمناطق عن بعضها بدأ أهالي ريف دمشق بتنظيم مظاهراتهم ضمن بلداتهم ومدنهم، وبذلك منعهم النظام من امكانية التكتل في مظاهرات ضخمة يعجز عن الوقوف في وجهها.
محاولات للاعتصام
كان الشغل الشاغل للنظام منع توحد المظاهرات والأهم منع الاعتصامات، وقد فهم السوريون هذه السياسة وأدركو أن تمكنهم من الوصول لإحدى الساحات والاعتصام فيها سيكون ضربة قوية للنظام ولخطته التي تقوم على مبدأ الفصل ومنع التقاء المظاهرات، ويمكن اعتبار المحاولة التي قام بها أهالي مدن الغوطة الشرقية للتوجه إلى ساحة العباسيين في جمعة الاصرار 15 نيسان 2011 (من دوما وبعدها الى حرستا ومن حرستا الى عربين ومن ثم زملكا جوبر ) حيث سار المتظاهرين قرابة 3 ساعات للوصول إلى الساحة لكن عناصر النظام وشبيحته استقبلوا المظاهرة الضخمة بالغازات المسيلة للدموع والرصاص. لتعود الجموع بعد اسبوع دامي من المواجهات بين المتظاهرين السلميين وعناصر النظام للمحاولة من جديد في الجمعة العظيمة ولكن النظام وعقب توجيه الدعوات يوم الخميس بالتوجه إلى الساحات واجه المظاهرات السلمية في عموم سورية بالنار وليرتقي يومها أكثر من 84 شهيداً.
فصائل متفرقة
اتبع النظام مع الريف الدمشقي لا سيما المدن القريبة من دمشق أساليب بالغة العنف والمكر، فعمد إلى تعزيز دفاعاته وحواجز الفصل بينهما، لخشيته من تمكن أهاليها من دخول دمشق والالتحام مع سكان العاصمة وهكذا استطاع فصل حي الميدان وكفرسوسة عن داريا والقدم، وعزل الزبداني، وأغلق مداخل جنوب دمشق بوجه أهالي الغوطة الشرقية.
من جهة أخرى أدى عدم اعتماد السرية في التنسيق بين المدن وعدم تبلور قيادات م
حلية، إلى كشف كل محاولات الالتقاء بغية الوصول لساحات واماكن استراتيجية للاعتصام فيها، بحيث كان النظام قادراً على تجنبها وافشال هذه المحاولات بمجرد انطلاقها. ستستمر حالة غياب التنسيق مع ظهور الجيش الحر، وسيؤدي ذلك إلى تكاثر للكتائب والفصائل التي يجتمع بعضها تحت مسمى الجيش الحر بينما قرر بعضها الآخر البحث عن مرجعية "إسلامية" لتمييزه عن الحر، وبالرغم من ذلك بقيت هذه الفصائل مناطقية ومعزولة عن بعضها، فمرجعية الفصائل بقيت مجرد شعارات طنانة وعاطفية دون أن تكون سبيلاً للتوحد أو على الأقل التنسيق، وسيستغل النظام هذه الحالة لتوجيه ضرباته بشكل منفصل إلى كل مدينة على حدى وأحيانا لكل فصيل لوحده!.
ما بين حصار النظام وتسلط الفصائل
اتبع النظام مع المناطق المحررة في الريف الدمشقي سياسة الحصار، وظهر في معظم هذه المناطق ما يسمى بتجار الأزمة، بل عرفت بعض المناطق ظهور بعض ضعاف النفوس يعتاشون على حالة الحصار ويستثمرون فيها، بينما بقيت مختلف فصائل الثوار، مع اختلاف الأسماء والمرجعيات وما يرفعون من شعارات، تشكو من فرقة محزنة تساهم في استمرار الحصار وتوقف عمليات التحرير تقريباً، بل وتمكن النظام، الذي يعتمد بطبيعة الحال على الدعم الإيراني الروسي وجيوش المرتزقة التي تزوده بها إيران، من إعادة الاستيلاء على بعض المدن المحررة مثل (المليحة) و(الذيابية) وبعض أحياء وبلدات الجنوب الدمشقي، بالرغم من الملاحم الرائعة التي سطرها أبناؤها في تصديهم لهجوم الميليشيات وعناصر الأسد، في غياب لاستراتيجية واضحة لفصائل الغوطة عن كيفية التصدي للحصار والهجمة الإيرانية.
يعاني الأهالي في المناطق المحررة من الريف الأمرين، من غلاء فاحش في الأسعار وغياب لسلطة قضائية قادرة على فرض القانون، ومنع التجار وضعاف النفوس من استغلال الناس، وفض الخصومات بين الفصائل، ناهيك عن صواريخ النظام وقنابله التي لا تهدأ وتستهدف أحياءهم ومدارس أبنائهم.
كما أن العمل المدني والاعلامي يعاني من ضعف شديد بسبب تسلط العسكريين وتحكمهم بالنشطاء مما أدى لضعف خطير في العمل الإعلامي والتواصل مع وسائل الإعلام لنقل جزء من حقيقة الوضع الانساني الصعب للأهالي، كما أدى التضييق على العمل المدني إلى انخفاض في النشاطات المدنية التي من شأنها التخفيف على الأهالي ومساعدتهم لتجاوز الآثار التدميرية للحرب التي يشنها النظام وميليشيات المرتزقة التابعة لإيران عليهم.
الريف الدمشقي بحاجة لاعادة النظر في سياسة الفصائل العسكرية، والبحث الجدي عن إطار جديد يجمعها بعيداً عن نزاعات وهمية لا قيمة لها، أمام التهديد الجدي من قبل إيران وميليشياتها.