الفوضى تجتاح المدينة بعد خمسة أشهر من غضب درعا، لامعالم للثورة أو أي حراك واضح في المدينة، جامع آمنة في حي سيف الدولة يغلي ، ينفجر ، ثم تتابع الحياة مجراها اليوم التالي (السبت) بفوضى وشبيحة.
قبل بداية شهر رمضان بعشرة أيام تماماً (في أول عامٍ للثورة)، زرت مدينة حلب بشكل شبه متخفِ ، كان الشباب حائرون ضائعون يختبئون وراء غضبهم، وفي أحيانٍ كثيرة، وراء موقف أبائهم الذين يخشون تكرار ماحصل في ثمانينات القرن الماضي على يد (حافظ ورفعت).
لا أعتقد أن مدينة في سورية تواجدت فيها أعداد ضخمة من الشبيحة والمرتزقة كحلب.. شاهدت حافلات كثيرة مركونة أول مدخل حي (الحمدانية)، لقد تميزت لوحاتها المرورية بكلمة (اللاذقية)، كانت قد أفرغت حمولاتها من الشبيحة، ليمتدوا من (الراموسة إلى دوار الليرمون) أي بمسافة لاتقل عن 12 كلم.
جميع من صادفتهم في حلب كان يدرك ، أن الأيام القادمة لن تكون على مايرام، أما أبناء المدينة فكانوا ينقسمون خصوصا الشباب إلى ثلاثة أنواع: طالب جامعة أو خريج يؤيد حراك درعا ويسعى إلى حشد كبير يشعل المدينة، وثاني إمكانياته المادية ممتازة أو جيدة، يرفض الحراك ويعتبره جنوناً، وأبعاده ونتائجه كارثية على الجميع، وأن السوريين ليسوا مؤهلين أبداً لمثل هذا الحراك، وثالث ينبش في التاريخ فيرى أن من قام بالثورة هم دعامة النظام الحقيقة، وحراكهم لايهدف للحرية أو للديمقراطية كما تم ترويج الحالة، بل لـ"نزعة قبلية" وخلاف اقتصادي مرتبط برامي مخلوف بالدرجة الأولى . وهذا النوع الثالث لايفوت عبارته "أن من ارتكب مجزرة المشارقة ضباط علويون برفقة عناصر من حوران".
غادرت المدينة بعد عشرة أيام من وصولي إليها، وتركت الحراك القادم من الريف الشمالي يتوسع شيئاً فشيئاً، بداياته القوية كانت من الجامعة، ثم اشتعلت الثورة في الأحياء الشرقية، تلك الأحياء التي تمثل في مضمونها عمق وتاريخ المدينة، في مشهدٍ متناقض بين طالب جامعي وعامل يعود إلى عشوائيات المدينة التاريخية، وفجأة يدخل (عبد القادر الصالح) إلى حي صلاح الدين برفقة عدة عناصر، ويسيطر خلال أيام قليلة على 60% بالمئة من مساحة المدينة، لقد بدا المشهد أكثر غرابة من أي مكان في سوريا يخوض المعارك، وبدت الحاضنة الشعبية للجيش الحر ولعبد القادر الصالح في تلك المناطق تدل على أن المدينة ستكون المحطة الأولى للزحف إلى باقي المدن السورية.
لقد انتصر (النوع الأول) من الشباب فحشدوا وأشعلوا المدينة، وكان الهتاف الأبرز للمدنية مفعم بالقوة والإباء: "هي حلب ها ها".
ذُهل النظام أكثر، من القوة التي أضافتها حلب للثورة، ليس لأن ثوارها تمكنوا بغفلة من انتزاع 60% من مساحة المدينة من سيطرته وحسب، بل لأنها تمكنت من القضاء على الشبيحة الذين دفعهم للقضاء على المظاهرات بعد أن اعطاهم كل الصلاحيات لقمعها، لقد تم القضاء على شبيحة آل بري وحمرة وغيرهم من تجار المخدرات والسلاح في حلب بشكلٍ غير متوقع .
استمر (النوع الثاني) المتواجد في الأحياء الغربية غالباً على موقفه، وهو ماشكل صدمة قوية لأنصار الثورة، بعد اعتقاد ساد حينها، أن حاجز الخوف سيبدو أقل وطأة من قبل، فاتصلت الأحياء الشرقية بالريف المحرر كجسم واحد.
دعمت برجوازية النظام في المدينة (الموقف الثاني)، وكبحت تقدم الثوار للسيطرة على كامل المدينة التي يخشاها النظام منذ البداية كونها العمق السني لسوريا، لقد تمكنت الطبقة الاقتصادية وتبعيتها من البشر ، بتقسيم المدينة إلى قسمين شرقي وغربي، منحبكجي وثورجي ...غرق "موالو الثورة" في صمتٍ أمام الواقع الذي فًرض على أحيائهم، فغادر معظم الشباب إلى خارج سوريا وخصوصاً إلى مدينة غازي عنتاب وانطاكية ومرسين في تركيا.
بالنسبة للأحياء المسيحية، فهي الأحياء الوحيدة التي مازالت تتمتع بهدوء منذ بدء المعارك بحلب، إلا في حالات استثنائية نادرة، فإنها تشهد سقوط صواريخ مجهولة المصدر، يعتقد في أغلب الأحيان أنها من جانب النظام، كي يبقيها على خوفها من "ثورة السنة". لكن بطبيعة الأحوال فإن موقف المسحيين في حلب واضح وغير ملتبس، في ولائهم المطلق للنظام والأسد، وخروجهم عن إطار الولاء للمدينة وأهلها، كما أن الكثيرين يتفقون في أن المسيحيين أغلقوا أحيائهم بعنف بوجه النازحين من الأحياء الشرقية.
حلب الثورة انتصرت!
أعتقد أن ماسردته سابقاً، يتفق عليه معظم أهالي المدينة (من الطرفين)، كما أنه يمكن أن يكون الأساس في معرفة مستقبل المدينة الغريبة في التاريخ السوري.
بالنسبة للرأي السائد في حلب، فإن " العلويين" هم من دمروا 12200 عام من الحضارة الإنسانية، لكن خلافهم يكمن في من هو " المتسبب" بدفع "العلويين" لأن يفعلوا ذلك.
ربما أن هناك جزءاً مهماً وواقعياً في كلام الرأي الثاني (المناوىء للثورة)، حيث أنهم كما (موالو الثورة) يعتبرون حلب القديمة، هوية لهم يعتزون بها أمام الجميع، فيها عصب الحياة، وخصوصاً الاقتصادي، فيقولون "ماهي الأهمية العسكرية التي دفعت الجيش الحر القادم من الريف لأن يدخلها؟". وطبعاً لهذا السؤال اتهام لأبناء الريف في أنهم ينتقمون من المدينة!
ربما كان القصد من قيام الجيش الحر بالدخول إلى حلب القديمة ، وقف العصب الاقتصادي الذي تحركه البرجوازية الحلبية الداعمة للأسد والتي تنطلق من مكاتبها الأساسية المتواجدة هناك، لكن الطرف المناوىء يرد على هذا التبرير بالقول: أنهم – أي الجيش الحر- سيطروا على المناطق الصناعية، التي تحوي المعامل، فلماذا دخلوا إلى قلب المدينة القديمة – أي أن الثوار أوقفوا خطوط الانتاج.. فلماذا يقتحمون حضارة حلب ليشتبكوا مع النظام فيها؟
زاد على ذلك قيام كتائب من الجيش الحر (الحياني)، باستهداف الأحياء الغربية، التي تمثل حلب الحديثة، وذلك باستخدامهم الصواريخ والقذائف العشوائية، مازاد نقمة الأهالي المتواجدين هناك على الجيش الحر دون الخوض في التمايز بينه وبين النظام.
خلال زيارة العقيد (عبد الجبار العكيدي) لمقر تلفزيون أورينت، قبل حوالي العام، سألته عن نية الثوار اقتحام الأحياء الغربية، فقال حينها، لوكنا نعلم أن الأسد سيجرم هكذا لما دخلنا الأحياء الشرقية أساساً.. ليس في مخططنا الدخول إلى الأحياء الغربية بالطبع".
لكن لا تبدو الأمور كما قال العقيد (العكيدي)، فالثوار لايزالون مستمرون في محاولتهم السيطرة على منطقة فرع المخابرات الجوية المتواجدة في (جمعية الزهراء)، وهي تشكل بوابة للدخول إلى الأحياء الغربية. على عكس النظام الذي تحول في أغلب الأحيان من مهاجم بقواته البرية، إلى مدافع ضد دخول الثوار للأحياء المتبقية له في حلب الغربية.
لقد تحولت الأحياء الخاضعة للنظام إلى أحياء تعيش حياة أكثر سوداوية من الأحياء الخاضعة للثوار من الناحية الاقتصادية، لكنها بالتأكيد لاتقارن على الإطلاق بحجم الإجرام الذي يرتكبه النظام في الأحياء المحررة، وذلك بابتداعه وإمعانه برمي البراميل المتفجرة عشوائياً يومياً دون توقف (لمدة عامين تقريبا).. ومازال.
حول النظام، أحياء حلب المحررة إلى مأساة فظيعة، فصولها تبدأ بالدمار وتنتهي بالنزوح هرباً من الموت.. وعلى مايبدو أن الأسد أدرك أنه لن يدخلها ثانيةً، لقد أمر بحرقها كما غيره من شبيحته البرجوازيين (أمثال فارس الشهابي) الذين أمروا بضرب قرى وأحياء بالكيماوي... الصورة تبدو الآن في حلب .. أنها خرجت عن سيطرة النظام بالمطلق. وأن ماتبقى له فيها سببه استخدامه المدنيين كدروع بشرية يعيق تحرير المدينة بالكامل. إنه يقيم الثكنات والفروع والمواقع العسكرية بين المدنيين، ولايخوض حرباً أخلاقية مع الثوار.
حلب وشقيقاتها!
تعرضت حلب لانتقادات لاذعة من قبل المدن السورية في بداية الثورة، كونها لم تلحق بالركب بشكل حقيقي وفعلي ومؤثر، بل شكل غيابها في الفترة الأولى صدمة ومخاوف من تبعيات تعنّتها في عدم مناصرتها لدرعا.
وعلى مايبدو أن الحسابات في حلب، كانت مختلفة عن شقيقاتها من المدن السورية، وبدا حالياً أنها تعي مستقبل الأمور أكثر من غيرها، ربما لأنها عاينت النظام في تجربة سابقة، أو لأنها على إدراك جيد بالواقع السياسي والاقتصادي الذي يتحكم في البلاد. حتى أن معظم (تجار الطبقة الوسطى)، الذين يقفون إلى جانب الثورة حالياً، يؤمنون إيماناً مطلقاً بأنهم دُفعوا إلى هذا الواقع و"المصير المجهول".
انتصارات حلب المتتالية مسحت شيئاً فشيئاً (خطيئتها) في التأخر، وأصبح السوريون يهتفون لها في كل انتصار، كما أن رموزها الأساسيين باتوا يشكلون فخراً لأبناء الثورة في كافة المحافظات السورية، كالشهيد عبد القادر الصالح، والشهيد أبو فرات. وبان ثقلها في المحافل الدولية، كالمبادرات التي خرجت مؤخراً في تجميد القتال فيها، وأما أهلها فأنجذبوا لتركيا كونها فتحت الأبواب لهم، وبادلتهم حرصها على مدينتهم التي كانت تشكل أحد أطراف المثلث الاقتصادي للدولة العثمانية ( أسطنبول – حلب – القاهرة).
ينظر إلى حلب من فئات كثيرة، على أنها تضم الكثير من المواليين للنظام، لكن هذه النظرة مغلوطة تماماً، فالنسبة الموالية للثورة أكبر بكثير من المناوئين لها، كما أن معظم من شجب (الثورة) فيها هو ليس مع الأسد في تعريفات الولاء.
وبنظرة سريعة على تواجد الحلبيين الموالين للثورة، فصورتهم الغالبة في تركيا ومن ثم مصر، أما مناصرو الأسد أو الرماديون فينتشرون في بعض دول الخليج العربي الآن.
قبل بداية شهر رمضان بعشرة أيام تماماً (في أول عامٍ للثورة)، زرت مدينة حلب بشكل شبه متخفِ ، كان الشباب حائرون ضائعون يختبئون وراء غضبهم، وفي أحيانٍ كثيرة، وراء موقف أبائهم الذين يخشون تكرار ماحصل في ثمانينات القرن الماضي على يد (حافظ ورفعت).
لا أعتقد أن مدينة في سورية تواجدت فيها أعداد ضخمة من الشبيحة والمرتزقة كحلب.. شاهدت حافلات كثيرة مركونة أول مدخل حي (الحمدانية)، لقد تميزت لوحاتها المرورية بكلمة (اللاذقية)، كانت قد أفرغت حمولاتها من الشبيحة، ليمتدوا من (الراموسة إلى دوار الليرمون) أي بمسافة لاتقل عن 12 كلم.
جميع من صادفتهم في حلب كان يدرك ، أن الأيام القادمة لن تكون على مايرام، أما أبناء المدينة فكانوا ينقسمون خصوصا الشباب إلى ثلاثة أنواع: طالب جامعة أو خريج يؤيد حراك درعا ويسعى إلى حشد كبير يشعل المدينة، وثاني إمكانياته المادية ممتازة أو جيدة، يرفض الحراك ويعتبره جنوناً، وأبعاده ونتائجه كارثية على الجميع، وأن السوريين ليسوا مؤهلين أبداً لمثل هذا الحراك، وثالث ينبش في التاريخ فيرى أن من قام بالثورة هم دعامة النظام الحقيقة، وحراكهم لايهدف للحرية أو للديمقراطية كما تم ترويج الحالة، بل لـ"نزعة قبلية" وخلاف اقتصادي مرتبط برامي مخلوف بالدرجة الأولى . وهذا النوع الثالث لايفوت عبارته "أن من ارتكب مجزرة المشارقة ضباط علويون برفقة عناصر من حوران".
غادرت المدينة بعد عشرة أيام من وصولي إليها، وتركت الحراك القادم من الريف الشمالي يتوسع شيئاً فشيئاً، بداياته القوية كانت من الجامعة، ثم اشتعلت الثورة في الأحياء الشرقية، تلك الأحياء التي تمثل في مضمونها عمق وتاريخ المدينة، في مشهدٍ متناقض بين طالب جامعي وعامل يعود إلى عشوائيات المدينة التاريخية، وفجأة يدخل (عبد القادر الصالح) إلى حي صلاح الدين برفقة عدة عناصر، ويسيطر خلال أيام قليلة على 60% بالمئة من مساحة المدينة، لقد بدا المشهد أكثر غرابة من أي مكان في سوريا يخوض المعارك، وبدت الحاضنة الشعبية للجيش الحر ولعبد القادر الصالح في تلك المناطق تدل على أن المدينة ستكون المحطة الأولى للزحف إلى باقي المدن السورية.
لقد انتصر (النوع الأول) من الشباب فحشدوا وأشعلوا المدينة، وكان الهتاف الأبرز للمدنية مفعم بالقوة والإباء: "هي حلب ها ها".
ذُهل النظام أكثر، من القوة التي أضافتها حلب للثورة، ليس لأن ثوارها تمكنوا بغفلة من انتزاع 60% من مساحة المدينة من سيطرته وحسب، بل لأنها تمكنت من القضاء على الشبيحة الذين دفعهم للقضاء على المظاهرات بعد أن اعطاهم كل الصلاحيات لقمعها، لقد تم القضاء على شبيحة آل بري وحمرة وغيرهم من تجار المخدرات والسلاح في حلب بشكلٍ غير متوقع .
استمر (النوع الثاني) المتواجد في الأحياء الغربية غالباً على موقفه، وهو ماشكل صدمة قوية لأنصار الثورة، بعد اعتقاد ساد حينها، أن حاجز الخوف سيبدو أقل وطأة من قبل، فاتصلت الأحياء الشرقية بالريف المحرر كجسم واحد.
دعمت برجوازية النظام في المدينة (الموقف الثاني)، وكبحت تقدم الثوار للسيطرة على كامل المدينة التي يخشاها النظام منذ البداية كونها العمق السني لسوريا، لقد تمكنت الطبقة الاقتصادية وتبعيتها من البشر ، بتقسيم المدينة إلى قسمين شرقي وغربي، منحبكجي وثورجي ...غرق "موالو الثورة" في صمتٍ أمام الواقع الذي فًرض على أحيائهم، فغادر معظم الشباب إلى خارج سوريا وخصوصاً إلى مدينة غازي عنتاب وانطاكية ومرسين في تركيا.
بالنسبة للأحياء المسيحية، فهي الأحياء الوحيدة التي مازالت تتمتع بهدوء منذ بدء المعارك بحلب، إلا في حالات استثنائية نادرة، فإنها تشهد سقوط صواريخ مجهولة المصدر، يعتقد في أغلب الأحيان أنها من جانب النظام، كي يبقيها على خوفها من "ثورة السنة". لكن بطبيعة الأحوال فإن موقف المسحيين في حلب واضح وغير ملتبس، في ولائهم المطلق للنظام والأسد، وخروجهم عن إطار الولاء للمدينة وأهلها، كما أن الكثيرين يتفقون في أن المسيحيين أغلقوا أحيائهم بعنف بوجه النازحين من الأحياء الشرقية.
حلب الثورة انتصرت!
أعتقد أن ماسردته سابقاً، يتفق عليه معظم أهالي المدينة (من الطرفين)، كما أنه يمكن أن يكون الأساس في معرفة مستقبل المدينة الغريبة في التاريخ السوري.
بالنسبة للرأي السائد في حلب، فإن " العلويين" هم من دمروا 12200 عام من الحضارة الإنسانية، لكن خلافهم يكمن في من هو " المتسبب" بدفع "العلويين" لأن يفعلوا ذلك.
ربما أن هناك جزءاً مهماً وواقعياً في كلام الرأي الثاني (المناوىء للثورة)، حيث أنهم كما (موالو الثورة) يعتبرون حلب القديمة، هوية لهم يعتزون بها أمام الجميع، فيها عصب الحياة، وخصوصاً الاقتصادي، فيقولون "ماهي الأهمية العسكرية التي دفعت الجيش الحر القادم من الريف لأن يدخلها؟". وطبعاً لهذا السؤال اتهام لأبناء الريف في أنهم ينتقمون من المدينة!
ربما كان القصد من قيام الجيش الحر بالدخول إلى حلب القديمة ، وقف العصب الاقتصادي الذي تحركه البرجوازية الحلبية الداعمة للأسد والتي تنطلق من مكاتبها الأساسية المتواجدة هناك، لكن الطرف المناوىء يرد على هذا التبرير بالقول: أنهم – أي الجيش الحر- سيطروا على المناطق الصناعية، التي تحوي المعامل، فلماذا دخلوا إلى قلب المدينة القديمة – أي أن الثوار أوقفوا خطوط الانتاج.. فلماذا يقتحمون حضارة حلب ليشتبكوا مع النظام فيها؟
زاد على ذلك قيام كتائب من الجيش الحر (الحياني)، باستهداف الأحياء الغربية، التي تمثل حلب الحديثة، وذلك باستخدامهم الصواريخ والقذائف العشوائية، مازاد نقمة الأهالي المتواجدين هناك على الجيش الحر دون الخوض في التمايز بينه وبين النظام.
خلال زيارة العقيد (عبد الجبار العكيدي) لمقر تلفزيون أورينت، قبل حوالي العام، سألته عن نية الثوار اقتحام الأحياء الغربية، فقال حينها، لوكنا نعلم أن الأسد سيجرم هكذا لما دخلنا الأحياء الشرقية أساساً.. ليس في مخططنا الدخول إلى الأحياء الغربية بالطبع".
لكن لا تبدو الأمور كما قال العقيد (العكيدي)، فالثوار لايزالون مستمرون في محاولتهم السيطرة على منطقة فرع المخابرات الجوية المتواجدة في (جمعية الزهراء)، وهي تشكل بوابة للدخول إلى الأحياء الغربية. على عكس النظام الذي تحول في أغلب الأحيان من مهاجم بقواته البرية، إلى مدافع ضد دخول الثوار للأحياء المتبقية له في حلب الغربية.
لقد تحولت الأحياء الخاضعة للنظام إلى أحياء تعيش حياة أكثر سوداوية من الأحياء الخاضعة للثوار من الناحية الاقتصادية، لكنها بالتأكيد لاتقارن على الإطلاق بحجم الإجرام الذي يرتكبه النظام في الأحياء المحررة، وذلك بابتداعه وإمعانه برمي البراميل المتفجرة عشوائياً يومياً دون توقف (لمدة عامين تقريبا).. ومازال.
حول النظام، أحياء حلب المحررة إلى مأساة فظيعة، فصولها تبدأ بالدمار وتنتهي بالنزوح هرباً من الموت.. وعلى مايبدو أن الأسد أدرك أنه لن يدخلها ثانيةً، لقد أمر بحرقها كما غيره من شبيحته البرجوازيين (أمثال فارس الشهابي) الذين أمروا بضرب قرى وأحياء بالكيماوي... الصورة تبدو الآن في حلب .. أنها خرجت عن سيطرة النظام بالمطلق. وأن ماتبقى له فيها سببه استخدامه المدنيين كدروع بشرية يعيق تحرير المدينة بالكامل. إنه يقيم الثكنات والفروع والمواقع العسكرية بين المدنيين، ولايخوض حرباً أخلاقية مع الثوار.
حلب وشقيقاتها!
تعرضت حلب لانتقادات لاذعة من قبل المدن السورية في بداية الثورة، كونها لم تلحق بالركب بشكل حقيقي وفعلي ومؤثر، بل شكل غيابها في الفترة الأولى صدمة ومخاوف من تبعيات تعنّتها في عدم مناصرتها لدرعا.
وعلى مايبدو أن الحسابات في حلب، كانت مختلفة عن شقيقاتها من المدن السورية، وبدا حالياً أنها تعي مستقبل الأمور أكثر من غيرها، ربما لأنها عاينت النظام في تجربة سابقة، أو لأنها على إدراك جيد بالواقع السياسي والاقتصادي الذي يتحكم في البلاد. حتى أن معظم (تجار الطبقة الوسطى)، الذين يقفون إلى جانب الثورة حالياً، يؤمنون إيماناً مطلقاً بأنهم دُفعوا إلى هذا الواقع و"المصير المجهول".
انتصارات حلب المتتالية مسحت شيئاً فشيئاً (خطيئتها) في التأخر، وأصبح السوريون يهتفون لها في كل انتصار، كما أن رموزها الأساسيين باتوا يشكلون فخراً لأبناء الثورة في كافة المحافظات السورية، كالشهيد عبد القادر الصالح، والشهيد أبو فرات. وبان ثقلها في المحافل الدولية، كالمبادرات التي خرجت مؤخراً في تجميد القتال فيها، وأما أهلها فأنجذبوا لتركيا كونها فتحت الأبواب لهم، وبادلتهم حرصها على مدينتهم التي كانت تشكل أحد أطراف المثلث الاقتصادي للدولة العثمانية ( أسطنبول – حلب – القاهرة).
ينظر إلى حلب من فئات كثيرة، على أنها تضم الكثير من المواليين للنظام، لكن هذه النظرة مغلوطة تماماً، فالنسبة الموالية للثورة أكبر بكثير من المناوئين لها، كما أن معظم من شجب (الثورة) فيها هو ليس مع الأسد في تعريفات الولاء.
وبنظرة سريعة على تواجد الحلبيين الموالين للثورة، فصورتهم الغالبة في تركيا ومن ثم مصر، أما مناصرو الأسد أو الرماديون فينتشرون في بعض دول الخليج العربي الآن.