الثورة جعلت لكل مدينة في سورية تاريخاً جديداً... وانتماءً جديداً... يعتدُّ به أهلها، ويحتفي به أبناؤها، فيكتبون ذكرياتهم، أو يطلقون سهام نقدهم، علهم يرسمون صورة حقيقية لمدينتهم وقد تعمدت بحلم التغيير... ودفعت ضريبة الحرية.
هنا يكتب محررو (أورينت نت) في احتفالية يومية عن: (مدينتي والثورة)!

مضت أربعة أعوام وثورة الحريّة والكرامة مستمرة، الكل يذكر الأيام الأولى للربيع السوري المطالب بإنهاء حكم العائلة الواحدة واسترداد الكرامة التي سلبها الأسد الأب وانتهج الابن وريث أبيه ذات الأسلوب في قمع السوريين.
أطفال درعا كان لهم السبق وبطريقة عفوية اخذوا على عاتقهم تعليم السوريين عدم الخوف من شبح المخابرات التي خبرها السوريون وعانوا مرارة الاعتقالات والتغيب لابناءهم عشرات السنين في اقبية سجون الأسدين.

إجاك الدور يا دكتور
جملتان بسيطتان كتبتا بأنامل صغيرة هي "إجاك الدور يا دكتور" و"الشعب يريد إسقاط النظام"فجّرت تلك الأحرف الثورة السورية، وأعلن على اثرها أن الشعب السوري سينال حريته، لم يحترم آن ذاك حاكم درعا"المخابراتي"العميد عاطف نجيب رئيس فرع الأمن السياسي (ابن خالة رأس النظام بشار الأسد) لمن يحترم وجهاء المحافظة المطالبين بإطلاق سراح الأطفال المعتقلين بل شتمهم وهددهم، فلم يهدأ شباب درعا وبدأت عملية التخطيط لمظاهرات في المدينة أسوة بباقي بلدان الربيع العربي وقتها، احتفظ الأطفال بمعاناتهم ولم يكشف الكثير عن ما جرى داخل أقبية المعتقل، يروي للاوربنت نت أحد الأطفال المعتقليين والذين يعتبرون المحرك للثورة في 18 اذار عام 2011 وهو بشير أبازيد الذي يبلغ عمره وقت اعتقاله حوالي 15 عشرة ربيعا يتذكر جيدا كيف جاءت دورية من الأمن وداهمت الحي واعتقلت عددا من الأطفال وكان من بينهم بشير الذي كتب منذ فترة على سبيل الذكرى اسمه لتركه المدرسة الابتدائية وانتقاله الى الإعدادية.

بشير يحكي قصته!
يقول (بشير):"عند وصولنا إلى الفرع جمعنا ضابط وقال لنا أنتم من المتهمين بكتابة شعار ينال من هيبة الدولة ويضعف الشعور الوطني بالإضافة الى التواصل مع جهات خارجية"، على اعتبار ان هؤلاء الفتية بحسب تعبير ضابط الأمن من العملاء للخارج كونهم طالبوا بحقوق لم يعطها لهم نظام الأسد، وبقي (بشير) في المعتقل ما يقارب الشهرين ووصف كيف تم تعذيبهم نفسيا وجسديا حيث جمعوهم في مكان واحد وبدؤوا بتعريتهم مستخدمين كل المصطلحات النابية التي يتلفظون بها، وقال لهم الضابط: "سنقوم بإعدامكم"، واستحضر (بشير) خلال حديثه كيف عذبوهم بكل ما يملك فرع الأمن من أدوات التعذيب ومنها (الدولاب) و(الكرباج) وليس أخيرا(الشبح) أي تعليق المسجون من قدميه في مكان مخصص لتعذيبه.
لم تنقطع المظاهرات المطالبة بإطلاق سراح الأطفال ورفع المتظاهرون شعارات الكرامة والحريّة، وأخذ يشعر النظام بخطورة ما يحدث في درعا من مظاهرات فأفرج عن أغلبهم، ويؤكد (بشير) انه فور خروجه من المعتقل سارع الى المشاركة في المظاهرات التي تنظم في درعا البلد بساحة المسجد العمري للمطالبة بإسقاط النظام، ومشاركة (بشير) في المظاهرات جعلته يتنقل في وقت لاحق بين العمل الإغاثي والطبي وعندما اشتد عوده وتجاوز 18 من عمره حمل السلاح ليكون بجانب العديد من أبناء عمومته وأبناء حيه حيث انضم إلى أحد الفصائل المقاتلة في المنطقة الجنوبية وهو الآن يقود مدفع (23 ) المضاد للطائرات.
ويعبر بشير لـ (أورينت نت ) بكلمات اقتبسها من واقع الثورة السورية قائلا:"إن المظاهرات والأعمال السلمية لم تعد تسمع أحد بينما يبقى النظام يواصل قتله للمدنين المطالبين بحقوقهم المسلوبة منذ أن استولى نظام الأسد على الحكم في سورية".

ثورة دون انتكاسات أو خلافات
تميزت الثورة في درعا بشكل خاص على أنها واضحه الهدف فمنذ جمعة الكرامة التي خرج بها المتظاهرين في (18 اذار) في عام 2011 والثوار يواصلون عملهم على الهدف الرئيسي وهو إسقاط النظام بكل ما استطاعوا من قوة، وربما من أجل ذلك أطلق على الثورة السورية بثورة الكرامة كناية ليوم الجمعة الذي خرج به الشعب السوري، واستخدم الثوار في درعا العديد من الشعارات الجامعة للشعب السوري ومنها الشعب السوري واحد في دلالة على ثقتهم بالسورين دون تفريق أو تمييز بينما رددوا هتافات كثيرة منها" الموت ولا المذلة " وبعد ذلك اختار الثوار في سوريا هذا الشعار كاسم ليوم جمعة خرجت به مظاهرات بمناطق مختلفة من التراب السوري، كما خرج الأهالي في درعا نصرة للمدن الثائرة على نظام الأسد التي تتعرض لعمليات عسكرية أو مجازر من قبل قوات النظام، كمظاهرات نصرة لدوما و داريا والقصير و حمص وادلب وحلب وحماة.

حمل السلاح
لم تشهد الثورة في درعا أي انتكاسات كبيرة كما حصل في باقي المناطق السورية بعد عسكرة الثورة، حيث لم يستطع تنظيم الدولة اختراق صفوف الثورة وبقيت كما خرجت لأول مرة بهدف إسقاط النظام الذي يقتل الشعب ، يقول (أبو خليل) القائد الميداني في كتيبة (شيخ الإسلام) العاملة في حوران:" إن الثورة في درعا هي ضد نظام الأسد الذي يقتل المدنين ولن تكون هناك أي معارك جانبية فكل الفصائل في درعا متفاهمون حول هذا الأمر".
تعتبر فصائل الجيش الحر في درعا من الفصائل المنظمة على مستوى التخطيط لأي عمل يخوضونه، حيث تمكن الثوار من تحرير العديد من المدن والقرى الحورانية من أكبرها مدينة نوى والشيخ مسكين وجاسم وطفس وداعل، وتمكنوا من تحرير ما يفوق 50% من مساحتها، رغم تمركز الثقل العسكري الكبير لقوات الأسد، كما استطاعوا الربط بين ريف درعا ومحافظة القنيطرة وصولا الى الجولان المحتل رغم أنف الأسد، وفتحوا الطريق الى ريف دمشق الغربي، وتعتبر أقوى معركة خاضها الثوار في درعا هي على الطريق الممتد من إزرع إلى نوى مرورا بمدينة الشيخ مسكين، حيث تمكن الثوار من تحرير مدينتي نوى والشيخ مسيكن والقضاء على (اللواء 112) و(اللواء 82 )دفاع جوي، الذي يعتبر أكبر ألوية الدفاع الجوي في سورية.

ثمن الكرامة
منذ أول يوم في الثورة والأهالي في درعا على قناعة أنها لن تكون سهلة أو سريعة الإنجاز كما حصل في مصر أو تونس، فهي - هنا- ضد نظام طائفي يشحن جنوده بالحقد والكراهية في حربه على الشعب السوري، وتسانده العشرات من المليشيات الشيعية القادمة من طهران وحزب الله اللبناني وغيرها، حيث بلغ عدد الشهداء في المحافظة ما يقارب (30 ألف شهيد) خلال الأربعة أعوام الماضية.. أي ما يقارب مدينة كبيرة في المحافظة أبيدت بمن فيها، أما دمار البيوت التي حصلت في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، فتقدر بأكثر من ثلث عدد البيوت في المحافظة، وقد وثق النشطاء تدميرأجزاء كبيرة من مدن الشيخ مسكين الحراك وخربة غزالة الواقعة على الاستراد الدولي(دمشق عمان.
أرادت درعا أن تصرع الأسد المستبد وتنهيه من تاريخ سورية، وتحمل على عاتقها ثورة لكل السوريين، فحوران الشجاعة، ألهمت السوريين في كسر حاجز الخوف، وفجرت ينابيع الانتماء الحقيقي للوطن وللإنسان، وعززت أواصر لاخوة بين جميع المدن السورية التي جمعها حلم التغيير وإرث القهر.

ثورة الثامن عشر من آذار
يعتبر الثوار في درعا يوم (18 اذار) هو بداية الثورة السورية ففيه ارتقى أول شهيد في المظاهرات و في نفس اليوم قمعت قوات النظام المتظاهرين بالسلاح الحي واعتقلت العشرات ومن اليوم الأول للثور السورية استخدم النظام الطائرات في درعا ليكون مشهد المقاتلات الجوية وهي تقوم بعمليات (بطولية) سخر منها السوريون جراء قمعها للمتظاهرين المدنيين والسلميين، وهو المشهد نفسه الذي أبكى قلوب السوريين قبل ان تدمع عيون أهل درعا وهم يشاهدون الطائرات التي دفع ثمنها الشعب السوري لتحرير فلسطين والدفاع عن الوطن، تشارك في قتل السوريين، كل هذه المشاهد والقصص التي كتبت في درعا جعلت من جميع الطبقات الشعبية تقف صفا واحدا ضد الظلم الذي كان يمارسه النظام بحقهم، حيث خرج الطبيب بجانب المزارع والمهندس بجانب عامل البناء وهتفوا بصوت واحد عبارة طالما رغبوا بترديدها وهي:" الشعب يريد إسقاط النظام".

درعا مهد الثورة السورية، مدينتي... أنتمي إلى ريفها، وأعيش في بيوتها... وآكل من خبزها وعرقها... وهي تعلمني معنى الانتماء للكرامة على الأرض السورية... درعا. تلك المدينة التي صرخت لتنال سورية الحرية، جابت أهازيجها المدن السورية وعلقت في مسامع منشديهاأجمل العبارات البطولية ومنها"الموت ولا المذلة"و"يا درعا حنا معاكي للموت" هاهي تعود في ذكرى انطلاق ثورة الحرية والكرامة الى الواجهة لتكون قبلة الثورة وبوصلة الثائر السوري التي ترشده إلى درب الحرية.