أبيغايل فيلدينغ سميث – مجلة (فورن بوليسي) الأمريكية
[rtl]أورينت نت | ترجمة: محمود العبي
في 9 مايو 2015، نشر موقع وكالة الأنباء السورية العناوين التالية على صفحته الرئيسية:
"ساعة حمص تدق مرة أخرى، معلنةً عودة الحياة إلى البلدة القديمة".
"الجيش يحبط هجوم إرهابي في درعا".
"المقداد: نضال سورية الأسطوري نتيجة لإنجازات شعبها".
"سوريا تفوز بالميدالية الذهبية في الوثب العالي في كأس موسكو المفتوح".
ولكن كان الواقع أقل وردية بكثير مما أوحت به العناوين الرئيسية. في الأسابيع السابقة، الثوار في أوج قوتهم، وتراجعت قيمة الليرة السورية، وظهرت انهيارات في أعلى المناصب في المؤسسة الأمنية.
أعمق من سلوك نمطي لحكومة استبدادية!
للوهلة الأولى، تبدو عناوين (سانا) كسلوك نمطي لحكومة استبدادية، في محاولة لخداع الناس بالاعتقاد أن النظام أقوى وأكثر كفاءة مما هو عليه في الواقع. وبمعاينة أقرب، مع ذلك هذا لا يبدو الدافع الكافي.
تابع المواطنون السوريون مجموعة واسعة من المواقع والقنوات الفضائية التي تقدم صورة للبلد مختلف عن (سانا). وعلاوة على ذلك، فهم يعرفون أن الأمور تسير بشكل سيء في القتال، وخصوصا عندما لا يرجع جنود بلدتهم أو قريتهم إلى منازلهم. وفي الواقع اعترف الرئيس بشار الأسد نفسه "بالنكسات" العسكرية في خطاب في 6 مايو 2015.
إذا الإقناع البسيط أو التلقين ليس هو الهدف، ما هي وظيفة هذه العناصر الإخبارية المنتجة بشكل بارع، والتي تشير قيمها في الإنتاج إلى درجة مدهشة من الالتزام المالي بينما الحكومة في طريقها إلى الإفلاس؟
بعد أكثر من أربع سنوات من حرب استنزاف مدمرة ، لا يمكن أن يوجد الكثير من الناس حتى داخل حصن دمشق، من الذين ينظرون حولهم ويرون سوريا على الأخبار- أرض حيث الجيش هو دائماً "يحبط" الإرهابيين، والمواطنون هم في أوقات فراغ يستمتعون ببطولات ركوب الدراجات. فما هو نوع لعبة الإشارات المعقدة التي ينشغل النظام السوري وسكانه بها؟
عودة إلى زمن حافظ الأسد: الدعاية والقمع الوحشي!
لنبدأ في فهم استخدام الأسد للدعاية، نحن بحاجة إلى العودة لحكم والده حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة في عام 1970 بعد سلسلة من الانقلابات الداخلية وزعزعة الاستقرار وملأ المستويات العليا من المؤسسة الأمنية بحلفاء موثوق بهم. في مواجهة ذلك، كان موقف حافظ محفوف بالمخاطر: كان شخص محدث نعمة ريفي من الطائفة الأقلية العلوية، وهي فرع من المذهب الشيعي في بلاد الأغلبية من المسلمين السنة. من خلال الأيديولوجية العلمانية البعثية (خليط من القومية العربية والاشتراكية) وقمع لا يرحم للمخالفة، نجح حافظ في صياغة الدولة السورية في صورته.
وقد استمدت الشرعية من مشاريع ماكرو المدعومة من الاتحاد السوفيتي، بناء السدود، والري. لكن كانت الوزارات والبرلمان في نهاية المطاف غير ذات صلة: إن الدولة لا تنفصل عن شخص حافظ المتمثل بتواجد مطلق. خارج الأسرة الرئاسية، كان الخطاب الرسمي للبعث والثناء القطعي للقائد متواجد، وكانت عقوبات المخالفة (الانتهاك) شديدة.
اشتهر حافظ بسحق ثورة الإخوان المسلمين السنة بوحشية في عام 1982، التي قتل فيها الآلاف من الأشخاص وسويت مدينة حماة بالأرض. ولكن الخوف الذي أحدثه امتد إلى أبعد من ذلك الحدث، من خلال نظام على غرار جهاز (أمن الدولة)، الذي شجع المواطنين للإبلاغ عن سلوك بعضهم البعض لأجهزة المخابرات.
الاهتمام بالزيف لا بفرض قناعات حقيقية!
أخبر مواطن سوري ليزا ويدين، أستاذة العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط: "منذ اللحظة التي تغادر منزلك، تسأل، ما الذي يريده النظام؟" "الناس يكررون ما يقوله النظام. يصبح النضال هو فيمن يمكنه الإشادة أكثر بالحكومة.... بعد 10 سنوات، تصبح لغته الخاصة. كل واحد منا كان من يعرف من يعرف اللغة أفضل، ومن هو راغب في استخدامها. أولئك الذين يحترمون أنفسهم يتكلمون قليلاً، ولكن اللغة بالنسبة لكل واحد، مثل حزام الأمان".
كما لاحظت (ويدين)، فإن ادعاءات البعض، هذا "لغة" تأمر الناس أن يؤيدوها، كانت سخيفة بشكل واضح- أن حافظ كان صيدلي أسبق في البلاد، على سبيل المثال. وعلى عكس (أوبراين)، جلاّد رواية جورج أورويل (العالم 1984) الذي يكسر (ونستون سميث) حتى أنه يعتقد حقاً أن اثنين زائد اثنين يساوي خمسة، فإن نظام الأسد لا يبدو مهتماً في خلق قناعة حقيقية، مجرد مظهر خارجي من ذلك – ما تدعوه ويدين " سياسة "كما لو" ". كان الجحود في الطاعات الرسمية، وفي النكات، وحتى بعض التعليقات المشفرة بمكر التي خلقته في المجال العام.
بعد التداول بشأن السبب في أن النظام يصر على زخارف الولاء الخارجية، تخلص (ويدين) أن الزيف هو في حد ذاته الهدف. تكتب ويدين: "تكمن قوة النظام في قدرته على فرض القصص الوطنية وجعل الناس يقولون ويفعلون ما لا يريدون". "هذه الطاعة تجعل الناس متواطئين؛ تشبكهم في علاقات هيمنة مفروضة عليهم، مما يجعل من الصعب على المشاركين رؤية أنفسهم مجرد ضحايا لنزوات الدولة ".
بشار يخلف أبيه: المزيد من العفو.. ولكن!
عندما جاء بشار إلى السلطة بعد وفاة والده في عام 2000، كان ينظر إليه باعتباره: "نفسَاً من الهواء النقي". ساعد في إدخال الإنترنت إلى سوريا، وترأس بعض الإصلاحات المحدودة، ولكنها على الرغم من ذلك ملموسة. كان هناك المزيد من العفو والقليل عن التذمر، طالما أنه لم يتطرق إلى الرئيس نفسه. قال أحد الصحفيين في عام 2005: "اعتدنا دخول السجن لكتابة الأشياء التي تسبب الإساءة". وأضاف "الآن فقط ندفع غرامة!"
بدا شخص بشار شعبياً، استقبل بالتصفيق الحار أينما ذهب، على الرغم من أن سياسة "كما لو" تجعل من الصعب معرفة مدى عمق جذور هذه الشعبية. على الأقل الطبقات الوسطى المدنية شعرت أنه يمثل تطلعاتهم بالنسبة لسوريا. امرأة تتسوق في مجمّع في دمشق في عام 2011، هزت رأسها في عجب عندما استذكرت الحرمان من اقتصاد ما قبل الإصلاح: "لم يكن هناك حفاضات، ولا حليب، ولا موز. كان لدينا فقط البرتقال والتفاح!"
اندلاع الثورة: صدمة الخطاب الأول!
على الرغم من الاسترخاء الطفيف، فالمنطق الذي يقف خلفه النظام كان نفسه، وعندما انتهكت قواعد لعبته، رد بشراسة متضاربة. عندما كتب مجموعة من المراهقين على جدار في جنوب مدينة (درعا) بشعارات من الثورة المصرية، فإن أجهزة الأمن اعتقلتهم.. وفي وقت لاحق قامت بتعذيبهم. واندلعت الاحتجاجات بسبب هذه المعاملة لهؤلاء المراهقين، وبسرعة انتقلت الاحتجاجات إلى أجزاء أخرى من البلاد. على نحو متزايد.
ركز المحتجون على رموز النظام.. فيديو بعد فيديو على يوتيوب، أضرمت النيران بملصقات لبشار وتم اسقاط تماثيل لحافظ في حملة "تطهير" بصرية (حملة التطهير) ميثاق أو عهد: "كما لو"، الذي استندت عليه قوة النظام السوري تم التنصل منه.
حوالي أسبوعين في دورة تصاعد الاحتجاجات والقمع قبل إدلاء الأسد ببيان علني حول الاضطرابات. أمل المتفائلون في أن هذا الرئيس الشاب، الذي تلقى تعليمه في الغرب سيقدم تنازلات تاريخية، وهي رؤية شاملة لإنقاذ البلاد. في هذا الحدث، على أي حال، خطاب الأسد في البرلمان يوم 30 مارس 2011، مجرد تكرار للخطاب الإنشائي حول الإصلاح وسوريا كونها موضوعاً "لمؤامرة دولية"، مدعياً أنه تم التلاعب بالاحتجاجات والقمع من أجل تقويض دور سورية كدولة "مقاومة"!!!
صفق له البرلمانيون، ولكن حتى السوريين غير المعارضين صُدِموا بسبب ضآلة ما قدمه الخطاب. أطلع رجل أعمال مسيحي (الجارديان) أن الخطاب قد ترك حزب البعث "خالي الوفاض"، كما واجه الشعب السوري.
حرب الأسد على مصداقية الإعلام!
وبصرف النظر عن بعض اللفتات التصالحية الأولية، لم يستثمر الأسد الكثير من رأسماله السياسي في محاولة لاستعادة الأغلبية السنية الريفية: تبدو خطاباته في المقام الأول بهدف تعزيز معنويات أنصاره من العلويين والشيعة والمسيحيين، والطبقات الوسطى المدنية.
يقول جوشوا لانديز، وهو أمريكي مهتم بالشأن السوري، أنه بالنظر إلى عقود من القمع التي سبقت ذلك، كان لا بد للأسد التصرف على هذا النحو: "إذا كان الأسد قد فعل ما كان عليه القيام به"، أي تقديم تنازلات ذات مغزى"، لما كان هناك انتقام، لما شنق رفاقه". "الكثير من الناس يعرفون من قتل إخوانهم ومن عذبهم، وأنهم فقط يريدون العدالة."
منذ البداية، شارك كلا الجانبين في حرب التصور. أرادت المعارضة خلق الانطباع بأن الزخم (القوة) كانت معهم وأن النظام كان يعود إلى الهمجية رداً على ذلك، في حين جعل النظام الناس يشعرون بأنه تم احتواء الاضطرابات، وأن رده متناسباً وعلى قدر المسؤولية.
لفرض روايته، لم يتمكن الأسد ببساطة من منع الناس من رؤية أشرطة فيديو الاحتجاجات والقمع التي سجلها نشطاء: أطباق الأقمار الصناعية التي تبث القنوات الإخبارية الأجنبية في كل مكان. في أي حال، كانت أشرطة الفيديو على شبكة الإنترنت. ولكن في حين أنه لا يمكن للأسد فرض رقابة، لم يتمكن من جعل الناس يشككون في صحة مواد المعارضة. لتحقيق ذلك، وصفت وسائل الإعلام الموالية للأسد القنوات الإخبارية الأجنبية كجزء من "المؤامرة" ضد النظام. رسم كرتوني، معلق على جدار مكتب مراقبة الحدود السوري عند معبر من لبنان؛ يصور سوريا مثل حمامة السلام محاطة ببنادق مرسوم عليها إشارات لقنوات "الجزيرة"، و"العربية"، و"فرنس 24". في سبتمبر 2011، قناة تلفزيون الدنيا الموالية للحكومة ادعت أن قطر قد بنت نسخ متماثلة الحجم للساحات الرئيسية في المدن السورية من أجل تنظيم احتجاجات هناك، ثم جرى تصويرها من قبل مخرجين فرنسيين وأمريكيين وإسرائيليين.
النفي وخلق الضوضاء للتشويش على الأدلة!
كتب صحفي سوري في صحيفة (فاينانشال تايمز)، حيث أوضح: كان الهدف من هذه المزاعم الغريبة ليس على الأغلب إقناع الناس بأنهم كانوا حقيقيين لتلويث المشهد المعرفي. وأضاف: إن "الهدف من ذلك هو إرباك الناس".
"إنه ليس من الضروري أن يصدق الناس ذلك، فقط بهدف جعلهم في حيرة وغير متأكدين مما يحدث في الواقع". قد ساعدت استراتيجية الارتباك عند الأسد في الحقيقة قنوات عربية كانت مملوكة بالفعل من قبل النخب في دول الخليج الذين أصبحوا في نهاية المطاف ملتزمين علناً بالإطاحة بنظام الأسد. وقد ساعدت أيضاً عناصر من المعارضة قد نقلت ادعاءات كاذبة في نقاط مختلفة لدعم روايتها. تبدو سوريا ما بعد الثورة مثالاً جيداً لنظرية أن توافر كميات كبيرة من المعلومات يمكن أن تساعد في بقاء النظام في السلطة، شريطة أن تكون معلومات لا يمكن الاعتماد عليها.
وقد ساعد هذا المنطق أيضاً النظام دولياً. في مقابلات مع وسائل الإعلام الدولية، فقد نفى الأسد بشكل قاطع استخدام أسلحة كيماوية أو برميل متفجرة ضد شعبه. صارم جداً نفي بشار، ومستقطب جداً في المشهد الإعلامي الدولي الذي تحدث فيها، حيث تغدو أدلة موثوقة عن تورط النظام من قبل منظمات حقوق الإنسان ينتهي بها المطاف لتصبح ضوضاء في ضوضاء.
قلة منهم فعل أكثر لتضخيم هذا الضوضاء من حلفاء الأسد في موسكو. عندما، على سبيل المثال، كان العالم يرى حدث ما يبدو أنه هجوم بالأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق في أغسطس 2013... إلا أن شبكة التلفزيون الروسية RT (التي تمولها الدولة) تشير إلى أن أشرطة فيديو اليوتيوب للضحايا ملفقة (مفبركة) لأن تاريخ بثها كان قبل يوم واحد من الهجوم المفترض أنه قد وقع. كما أشير بسرعة إلى أن أشرطة فيديو اليوتيوب ممهورة بتوقيت كاليفورنيا، الذي يسبق توقيت دمشق بعشر ساعات.
إعلام رسمي يدعي الوطنية!
بالعود إلى البلد، بينما واصلت الحرب الأهلية، كانت الأولوية الوطنية للنظام إقناع قواته بالقتال. ويعتقد أن الجيش قد انخفض إلى النصف بسبب حالات الفرار الجماعي والإصابات، ويعتمد النظام بشكل كبير على القوات غير النظامية، إلى حد كبير من الطائفة العلوية، مدعوما بمقاتلين شيعة من لبنان والعراق.
تجنب النظام الخطاب الطائفي في القنوات الرسمية، ولكن في الوقت نفسه، جنوده يعتمدون على الإحساس بالانتماء للمجتمع وإدراك تهديد مشترك الذي تخلقه الهوية الطائفية. بحلول أواخر عام 2013، دليل على هذه التعبئة الطائفية في جميع أنحاء دمشق: تم رفع علم الميليشيا الشيعية اللبنانية فوق إحدى الضواحي، وكانت ميداليات تصور سيف الإمام علي مع وجهه الأسد معروضاً للبيع في الأسواق.
حتى عندما كان النظام يسند مهام أمن الدولة الحيوية للميليشيات الطائفية، ظلت "السنة" و"العلوية" كلمات محرمة في وسائل الإعلام الرسمية، واقع معروف (في هذه الحالة الطائفية) مرة أخرى يجري تجاهله. فائدة هذا النوع من التغطية للنظام هو أنه يشير إلى استمرار وجود الدولة. قد يكون الخوف من الذبح على يد مسلحين إسلاميين يشجع العلويين على القتال، ولكنهم بحاجة إلى الشعور بأن ما يقاتلون من أجله هو دولة، ليس أمير حرب طائفي: يمكن لحرب طائفية طويلة الأمد أن تنتهي بشكل سيء بالنسبة للطائفة الأقلية.
وهكذا، حتى باعتبارها القوة القسرية التي سمحت للنظام فرض النسخة الخاصة به من تمزيق الواقع والدولة نفسها، تمضي وسائل الإعلام الرسمية في النمط التقليدي، وليس بعيداً عن الإنكار ولكن كاستحضارها للقصص التي تربط مكونات البلاد لفترة طويلة.
بين إعلام السيسي والأسد!
في مصر، عبد الفتاح السيسي قائد الجيش السابق، انتخب رئيساً بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين في البلاد والرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطياً، لكن السيسي في وضع مختلف جداً عن الأسد. الدولة لها جذور أعمق في مصر مما هو عليه في سوريا، المؤسسات لديها بعض السلطات الفعلية، والبلد متجانسة أكثر بكثير دينياً، ويتمتع السيسي نفسه بدعم كبير من الرأي العام. ولكن قوة الحشود على الرؤساء قد تم تجربتها، ويمكن لأي شخص يحكم أكثر من 80 مليون نسمة مع ميزانية تعتمد على المساعدات وعلاقة غير مستقرة مع مراكز القوى، بالإضافة إلى احتياجات الدولة، في مراقبة عن كثب لمزاج الناس. كما هو الحال في سوريا، فقد لعبت البراعة في التأليف دوراً هاماً.
الانقلاب نفسه كان مكتوبا بشكل جيد وبطريقة مذهلة، بإعلان السيسي عبر التلفزيون وهو محاط بالزعيم الليبرالي محمد البرادعي، وشيخ جامعة الأزهر، بابا الأقباط، والناشطين الشباب. وجود سلاح الجو راسماً أشكال القلب في السماء.. كلها كانت تفاصيل بعض المخرجين في هوليوود قد اعتبروها أكثر من اللازم، ولكنها بدأت بشكل جيد.
بالنسبة للأعمال الاحترافية، هناك شيء مدروس بشكل غريب ومشتق عن الصورة العامة للسيسي. فقد شبه نفسه ضمنياً بجمال عبد الناصر، ضابط الجيش المبدع التي شهدت قيادته ذروة النفوذ المصري. وهي الهوية التي رفعها أنصاره بحماس في مليون ملصق لكلا الرجلين في صورة واحدة. ومع ذلك، عندما أشار العديد من المعلقين، لا يوجد شيء من الناصرية في سياسات السيسي، التي تبدو حتى الآن تقليد أو محاكاة للليبرالية الجديدة الاقتصادية لحسني مبارك بدلاً من الاشتراكية العائدة للقائد الأسبق.
إشارات الرجل القوي الكلاسيكية لا تأتي فقط من رابط السيسي مع عبد الناصر. بعد فترة وجيزة من انقلاب يوليو 2013، قوات الأمن فرقت المتظاهرين الموالين للإخوان المسلمين في القاهرة، مما أسفر عن مقتل المئات. منذ أن تم التصويت على الإطاحة بمرسي، وخاصة منذ انتخاب السيسي رئيساً في يونيو حزيران عام 2014، قد تم تمرير عدد من القوانين: اغلاق الساحات التظاهر باسم مكافحة الإرهاب. وتم حظر جماعة الإخوان المسلمين، ومنعت الاحتجاجات، وتم تقييد الحريات الإعلامية.
قوة السيسي الزائفة!
ومع ذلك، لا يوجد رئيس ثابت في الشرق الأوسط اليوم. قناة "مكملين"، الفضائية الموالية لجماعة الإخوان ومقرها في تركيا، بثت ما تم تسريبه من تسجيلات لمحادثات خاصة للسيسي، مما سبب له إحراجاً سياسياً كبيراً. وكانت وعوده للشعب المصري هي تأمين الاستقرار، ولكن الحرب على الإرهاب لا تسير على ما يرام - إن مئات من رجال الشرطة قتلوا في التمرد الذي مقره سيناء منذ الإطاحة بمرسي. الاقتصاد يتحسن ولكن لا يزال يعتمد بشكل كبير على صدقات الخليج. في هذا السياق، يرى البعض سلوك السيسي الرجل القوي باعتباره صورة زائفة للقوة وليس دليلا على ذلك". الوحدة الوطنية إلى حد كره الأجانب، وعبادة الشخصية الفردية – هي الأفكار الكلاسيكية المهيمنة للأنظمة التي ليست قوية وتشعر نفسها بأنها هشة"، كما يقول البروفيسور اندريا تيتي من جامعة أبردين.
كما تشير المعلقة المصرية (سارة كار)، خلقت أربع سنوات من عدم الاستقرار جمهوراً يتوق للاعتقاد في صوابية الأداء.. وقد زعزعت رواية الجيش للأحداث الأخيرة، وأنها ليست ببساطة بسبب التأثير على وسائل الإعلام: "الناس أنفسهم بحاجة - على ما يبدو - إلى التصديق."
مؤشر ضعف وليس قوة!
الاضطرابات العنيفة لبيئة الربيع بعد العربي وصعود المرتبطة بهويات طائفية عبر الحدود قد أظهرت تماما مقدار سلطة الدولة والتي تكمن في مسألة الأداء، والرمز، والمشهد في أجزاء من الشرق الأوسط.
لقد كان هناك دائما لمسة من التكلف في صياغة دولة شرق أوسطية. كما يشير نزيه الأيوبي، وكثرة الأعلام والزي العسكري يمكن قراءته كمؤشر على الضعف وليس القوة. وفي حالة سوريا الأسد، الدولة هي أكثر حضوراً في زخارف النسر الذي من المفترض أن يمثل واقعاً معظم الناس يعيشون فيه. تخفي قصص التفاؤل عند (سانا) أنقاض المدن المتفحمة وفقا لخطاب مألوف للدولة البعثية، ومع الخيارات كما هي الحال في الشرق الأوسط اليوم، فربما ليس من المستغرب أن بعض الناس ما زالوا يعملون حسب سياسة "كما لو" أنهم يؤمنون به. في بعض الأحيان حتى الدولة الخيالية هي أفضل من البديلة.[/rtl]