لماذا هدمت مصر مقر حزب مبارك.. وماذا ستبني مكانه؟ 1dd3e07c-0f17-44f7-846d-610d85a119a1_16x9_600x338
ثار قرار الحكومة المصرية، الأربعاء، بهدم مبنى الحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك جدلا سياسيا، وفجر صراعا عنيفا بين الأجهزة الحكومية الراغبة في الاستيلاء على موقع الحزب واستغلاله اقتصاديا.
واعتبر السياسيون أن القرار يحمل دلالات سياسية، ويرمز لنهاية حقبة زمنية في تاريخ مصر، لكن الأمر المؤكد أن هذ القرار وراءه خلفيات فنية وإنشائية بحتة.
وأكد السفير حسام القاويش، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن "قرار الحكومة بهدم مبنى الحزب جاء بناء على دراسة للجنة هندسية، أثبتت أن حالة المبنى لا تصلح للاستخدام مرة أخرى، وأن الحريق الذي اندلع فيه إبان ثورة 25 يناير أدى إلى تأثر حالته"، مضيفا أن "القرار كان للموافقة على الهدم فقط، وليس لإعادة استغلاله من جديد".
وأشار إلى أن هناك دراسة للوصول إلى أفضل استخدام للموقع المتميز لمقر الحزب، حيث يمكن استخدامه كحديقة، أو كامتداد للمتحف المصري المجاور له، مضيفا أنه تم إسناد أعمال الهدم للهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
وقبل أيام قليلة من صدور القرار، نشبت معركة بين محافظة القاهرة ووزارة الآثار للحصول على مقر الحزب بعد هدمه، حيث تنتظر كل منهما صدور قرار رئاسة الوزراء بإعادة تخصيص أرض المبنى لهما.
من جهته، قال اللواء محمد أيمن عبدالتواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية لـ"العربية.نت" إن "الأراضي الواقع عليها مقر الحزب خاضعة رسميا لمحافظة القاهرة، وننتظر موافقة مجلس الوزراء على إعادة تخصيصها من جديد وضمها لأملاك المحافظة"، موضحاً أن المحافظة قدمت عدة مقترحات لمجلس الوزراء لإعادة استغلال موقع الحزب بعد هدمه، ومنها إعادة استغلاله بمشروع استثماري يدر دخلاً أو مورداً اقتصادياً إضافياً.
أما وزارة الآثار فطالبت هي الأخرى مجلس الوزراء بضم أرض المبنى إلى حرم المتحف المصري، بحيث تمثل هذه الأرض حديقة مكملة لحديقة المتحف، إلى جانب بناء ملحق آخر له يضم مركزاً للزوار وقاعات عرض إضافية.
وأكد مصدر مسؤول بالوزارة لـ"العربية.نت" "أن الوزارة تنتظر صدور قرار من مجلس الوزراء يفيد بأحقيتها في الأرض، حيث إنها تابعة للمتحف المصري منذ فترة طويلة، قبل أن ينبى عليها مقر الحزب في العام 1954 الذي كان وقتها يحمل اسم الاتحاد الاشتراكي قبل أن يتغير اسمه إلى الحزب الوطني.
على الجانب الآخر، ودعما لموقف الوزارة ضد منافستها محافظة القاهرة، أجرت إدارة المساحة والأملاك التابعة لوزارة الآثار، مسحا شاملا للأرض من خلال الأوراق الرسمية بمديرية المساحة ومصلحة الشهر العقاري والتوثيق بوزارة العدل، وكشفت من خلاله أن المساحة الإجمالية لأرض المتحف المصري بالتحرير منذ إنشائه في العام 1901 تقدر بنحو 38 ألف متر مربع، متضمنة أرض مبنى الحزب الوطني المنحل، ومبنى المتحف والحديقة الخاصة به، إلى جانب ميناء خاص بالمتحف يطل على نهر النيل مباشرة.
من ناحية أخرى، دخلت جهات أخرى على خط المنافسة للحصول على أرض مبنى الحزب، حيث اقترح البعض تحويله إلى برج تجاري عالمي يحمل اسم الثورة، بينما فكر البعض الآخر في إنشاء حديقة عامة ومتنزهات، أما بعض القضاة فاقترحوا أن يكون مقرا لمجمع محاكم تابع لمجلس الدولة، في حين تقدمت بعض الشركات الكبرى بطللبات للحصول على الأرض واستغلالها في إنشاء سلسلة فنادق عالمية.
وقال النائب السابق في البرلمان عن الحزب الوطني طلعت القواس لـ"العربية.نت" إن "قرار الحكومة بهدم مبنى الحزب تأخر كثيرا"، مشيرا إلى أن حالة المبنى الإنشائية وتأثره بالحريق وتشويهه للمنظر الجمالي للمنطقة الواقعة في قلب القاهرة وبالقرب من عدة مقرات حكومية، كان لا بد أن يعجل بقرار هدمه.
وأضاف أن "القرار لا يحمل بعدا سياسيا، بدليل أن جميع مقرات الحزب الأخرى سواء في القاهرة أو المحافظات كما هي، ولم يتم هدمها، لأنها في الأصل خاضعة لملكية الدولة والشعب، وعندما تم حل الحزب عادت ملكية هذه المقرات والأراضي المقامة عليها للدولة مرة أخرى، وهو إجراء طبيعي يحدث مع أي حزب تم حله وليس الحزب الوطني فقط".
وأضاف أنه كرجل أعمال أيضا يرى من الأفضل الاستفادة بالموقع في إنشاء مشاريع سياحية ضخمة تدر مليارات الجنيهات على الدولة، وتضم سلسلة فنادق عالمية ومراكز تجارية ومباني إدارية يمكن تأجيرها لشركات عالمية ومحلية، خاصة أنها تقع بالقرب من مجمع التحرير ومبنى وزارات الداخلية والخارجية والصحة والصناعة ومجلس الوزراء والجامعة العربية.
يذكر أن مبنى الحزب تم بناؤه في بداية الخمسينيات على يد المهندس محمود رياض الذي قام أيضا ببناء مجمع التحرير بين عامي 1951 و1952.
وضم المبنى في البداية مقر بلدية القاهرة والجيزة، ثم شغلته محافظة القاهرة حتى أدى الخلاف بين علي صبري نائب رئيس الجمهورية آنذاك وبين المحافظ صلاح الدسوقي إلى نقل مقر المحافظة إلى قصر عابدين، قبل أن ينقل إلى موقعه الحالي الذي كانت تشغله مديرية الإسكان.
وأمر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالإبقاء على الاتحاد القومي في مكانه بالمبنى الإداري الملحق بقصر عابدين، وبعد حل هيئة التحرير ومجيء الاتحاد الاشتراكي خلفا لها، تمسك علي صبري بالاستيلاء على المبنى واستخدامه كمقر للاتحاد الاشتراكي.
وعقب تولي أنور السادات مقاليد الحكم تحول الاتحاد الاشتراكي إلى منابر تمثل جميع الاتجاهات والقوى السياسية، وكان أشهرها الحزب الوطني الذي تمكن من الحصول على المبنى بأكمله.
وقبل ثورة 25 من يناير بسنوات قليلة قام أحمد عز أمين التنظيم في الحزب، بإعادة تطويره بتكلفة تجاوزت 50 مليون جنيه. وبعد اندلاع الثورة تم إشعال النيران فيه خلال جمعة الغضب في 28 من يناير لتطوى للأبد صفحة مبنى شهد فترة طويلة من تاريخ مصر.