الحفاظ على الهُوِيَّة الإسلامية أو الدَّمَار
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن المُسْتَمِع لكلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي في تهنئة اليهود بقرار الرئيس الأمريكي "ترامب" بنقل السفارة الأمريكية إلى "القُدْس" اعترافًا بأنها العاصمة الأبدية -كَذَبوا- لإسرائيل!
وكذلك كلمة نائب الرئيس الأمريكي في نفس المناسبة -وهو يفتخر أنه هو و"ترامب" مَن شَرُفوا بخدمة إسرائيل!-؛ يدرك بيقينٍ أن المعركة على "القُدْس" معركة عقائدية منهجية حضارية، تدور حول القِيَم؛ فكُلٌّ مِن الكلمتين ذِهنِيّة بامتياز، بل بغُلُوٍّ وتَعَصُّبٍ وكِبْرٍ، وازدراء للمخالفين واحتقارهم، كما يقول "نتنياهو": (ففي "القُدْس" حَكَم ملوك إسرائيل، ووَعَظ أنبياؤنا، وكان هَيكَلُنا)؛ فهو حريصٌ أن يؤكِّد أن عودتهم للقُدْسِ عودة دينية حسب الوعد الإلهي المزعوم.
والذي بَيَّنَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في كتابه أنه كان لهم عندما كانوا مُسْلمين مُؤمِنين مُتَّبِعين للأنبياء، ولَيسَ وَعْدًا أَبَدِيًّا مع كُفْرِهِم وتكذيبِهم، ومُحارَبَتِهِم دينَ الحق!
واليَمينُ الأمريكي المُتَطَرِّف يُؤكِّد نفسَ المعنى على لسان نائب الرئيس الأمريكي، فيُؤكِّد على عدالة القضية اليهودية في "القُدْس"، ويَا عَجَبًا؛ أين ضاع الحق التاريخي للهُنود الحمر في أمريكا؟! وكيف كانت إبادتهم عَدْلًا؟! والذين يَدَّعون عَدَالَة القضية اليهودية يُعَلِّلون قولَهم بأمورٍ، مِن أبرزها: ما تَعَرَّض له اليهود مِن محاولات إبادة، والعجب أن يدفع المسلمون ثمن تلك الإبادات التي قام بها الغرب في فتراتٍ مِن تاريخه، ولم يقم المسلمون بشيءٍ منها عبْر التاريخ!
بل عندما دخل المسلمون "القُدْس" في عهد عمر بن الخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- دَخَلُوها بَانِينَ لا هَادِمين، مُصْلِحِين لا مُفْسِدين، مُعَمِّرِين لا مُدَمِّرين، مُعَظِّمِينَ للبُقْعَة المُقَدَّسَة، مُزِيلِين عنها عُدْوان الرُّومان الوَثَنِيِّين الذين دَمَّروا ما عَلَوا تدميرًا؛ لأنه هكذا الإسلام يبني ويُعَمِّر، وينشر الحياة والعَدْل، حَيَاةَ القُلوبِ والأبدان.
وكذا فعل "صَلَاحُ الدِّين" عندما فَتَحها بعد احتلال الصليبيين، وَلَو كَرِهَ "يوسف زيدان" وأشباهُه -مِن المؤرخين الصهاينة- الذين يريدون أن يَنسى المسلمون "المسجد الأقصى" ليهدمه اليهود ويبنوا الهيكلَ المزعوم، فالمسجد الأقصى -في زَعْمِه- هو الذي بجوار الطائف!؛ خِدَاعٌ عَجِيب! وللأسف لا يُسْمَح بالرَدِّ على هذه الخُرافات بنفس المساحة والصوت الذي يتكلمون به وينشرون شبهاتهم!
إن الخطر العظيم الذي يتهدد واقع أُمَّتِنا هو في المحاولات الدءوبة لتمييع الهُوِيَّةِ الإسلامية لمجتمعات المنطقة كُلِّها، والابتعاد عن الدِّين، ومُهاجَمَة الرموز الدينية -الأحياءِ منهم والأموات-، ومُصَادَرَة حَقِّ ووَاجِبِ الدعوة إلى اللهِ على بصيرة؛ لكي لا يُصبِح في المشهد مَن يتكلم باسم الإسلام إلا "داعش، والقاعدة، والشيعة، والتيارات القُطْبِيَّة والتكفيرية".
فـ"الدَّعوة السلفية" وَهَّابِيَّةٌ متطرفة في زعمهم! و"الأزهر" منبع التطرف والإرهاب في كذبهم! ولا يوجد كيان إسلامي عندهم إلا وهو سبب مِحْنَة الُأَّمة! مع أن العلمانية والاشتراكية والقومية هي التي سيطرتْ على مقاليد الأمور في معظم البلدان منذ أكثر مِن قَرْنٍ مِن الزمان، تَرَنَّحَت الأُمَّةُ خِلَالَه، وخَسِرَتْ ما بأيديها، وصارت تَابِعَةً لأعدائها.
إن الأعداء لا يَتَحَرَّجون مِن إعلان هُويتهم الدينية، في حين يهاجمون الإسلام، ويصرِّحون بأنه سَرَطان خبيث في عقل أكثر مِن 1.7 مليار مِن البشر -كما قاله مستشار "ترامب" السابق -أخزاه الله-.
وعندما يَتَحَرَّجُ الأكثر مِن أن يتلو -مُجَرَّدَ تِلاوةٍ- قولَ اللهِ -تَعَالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة:120)؛ فضلًا عن فَهْمِهَا والعَمَلِ بها والدَّعْوَةِ إليها، ويَتَحَرَّجُون مِن قوله -تَعَالَى-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران:19)، وقوله: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، وتَحْذِفُ لِجَانُ المُرَاجَعَة للمناهج مِن كتب التربية الدينية لأبنائنا أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- دَعَا إلى دين الحق الذي هو الإسلام؛ فتحذف "الذي هو دين الإسلام!"، والطَّبَعاتُ مَوجودةٌ سَابقًا ولَاحِقًا.
يَتَحَرَّجُ أَقوامٌ مما يُصَرِّحُ به اليهود أن الحربَ حَرب دينٍ ومبادئ وقِيَم، فيزعم أن الحربَ ليستْ إلا على الأرض فقط! فما تصنعون بالأرض إذًن؟! وأَيّ دينٍ ستعملونَ على إعلائِه فيها؟ قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (متفق عليه).
والعجيب أن بعض القائلين بأن الصراع ليس دينيًّا هم مِن المُنتَسِبِين إلى العمل الإسلامي! فاسمعوا "نتنياهو" لتعرفوا!
إن الأُمَّة مُسْتَهْدَفَة في دِينها وقِيَمِها وأهدافِها؛ فصارت آمال الشباب مُعَلَّقَة بالكُرَة، وصار إحراز أهدافها هو الهدف الأكبر لكثيرٍ منهم، والفوز بمسابقاتها -أو حتى مجرد بُلُوغِها- هو الفوز الأكبر في حِسِّ كَثيرٍ منهم! والأبطال هم نجوم الفن والسينما التي يضغط الغرب بكل قوة لإدخالها لكل بلاد المسلمين، حتى تلك البلاد التي استقرت الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية فيها على المنع منها! وتحرير المرأة مِن عبوديتها للهِ لِتُصْبِح مَمْلُوكَة لأهل الشهوات والفِسق والفُجور، وتصير لعبة فوق البيع في كل تجارة فاسدة، باسم التقدم وانتصار قيم الحرية الغربية، هذا هو الذي يدعو إليه أعداؤنا!
نقول: إن مُحارَبَة الدين والتدين، وطمس الهُوِيَّة الإسلامية لبلادنا، لن ينتج منه إلا الخراب والتمكين للأعداء، وهم لَا يَرْقُبُونَ في مُؤمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّة، ولن يُعطوا مَن يَتحالَف معهم ويُمَكِّن لهم مِن تغيير قِيَم المُجتمعاتِ شَيئًا مما يتمناه!
فما أشبه الليلة بالبارحة؛ فنفس الخطاب الزاعم حُرِّيَّة العبادة لأهل الأديان -مع أن "المسجد الأقصى" يُمْنَع مِن دون الخامسة والأربعين مِن دُخُولِه- هو نفس الخطاب المذكور في اتفاق تسليم "غرناطة" وسقوط "الأندلس"، والذي بدأت بعده "محاكم التفتيش"، وأزيل الإسلام والمسلمون بالكُلِّيَّةِ بأبشع صور الإبادة؛ فَهُم يستخدمون هذا الخطاب لفترةٍ وجيزة، يظهر بعدها الوجه الحقيقي مِن التعصب الممقوت والعدوان ونقض العهود.
إن عقيدة أهل الإسلام لا تتزعزع في قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) (متفق عليه).
إن أُمَّتَنا قد تَمرَض، ولكن لن تموت، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (متفق عليه)، وفي رواية: (حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، أما مَن يَتَبَرَّأ مِن هُوِيَّتِها في وقت الضعف والمَرَض، أو يكون أداةً مِن أدوات الأعداء في هَدْمِ قِيَمِها وتغيير أهدافها؛ فهو الذي يَجْتَثُّ نَفْسَه مِن جسدها الواحد، ويحكم على نفسه بالموت والهلاك.
وسَتُعَافَى الأُمَّة بعد حين، وتعود لها عِزَّتُها إذا عادت لدينها: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَ?كِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)، وقال -عَزَّ وَجَلَّ-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).
واجب الوقت:
سنسأل سؤالًا فقط: هل نحن موقنون بأن موازين قوة الأُمَم وضَعْفِها، واجتماعها وتَفَرُّقها بيد الله -سُبحانَه وَتَعَالى-؟! بأنه -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي يَسْتَخْلِف: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)
بأنه هو الذي يُمَكِّن: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور:55)
موقنون بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:5-6)
موقنون بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء:6) -أي: قوة عسكرية-
إذا أَيْقَنَّا بذلك؛ فلننظر: لماذا حدث لنا ذلك؟!
بالتأكيد نحتاج إلى تغيير: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).
فماذا نفعل إذًن؟!
- نُصَلِّي أكثر مما نُصَلِّي؛ فالذي لا يصلي الفجر -حاضرًا- يصليه، والذي لا يصلي في المسجد يصلي فيه، ومَن يصلي في المسجد يستيقظ قبْل الفجر يدعو رَبَّنَا -سبحانه وتعالى- ويصلي قِيامَ لَيْلٍ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153)، وقال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:45-46).
- نُغَيِّرُ وَاقِعَنا الذي نعيشه، ويكون لدينا نور نُوصِلُه لِمَن حَوْلَنا، بدلًا مِن أن ينهار المجتمع في عقيدته وفي أخلاقه وفي عباداته! فكثير جِدًّا مِن شبابنا لا يُصَلِّي، وكثير مِن بناتنا اعتَقَدْنَ أن الحجاب ليس بالضرورة؛ فنَشْرُ الجهل سَبَبٌ مِن أعظم أسباب تذويب هُوِيَّة الأمة، ومِن أعظم أسباب تَسَلُّط الأعداء، وهناك نشرٌ كبيرٌ للجهل، وليس فقط تركٌ لطلب العلم، بل إن نشر الجهل قد وصل حتى إلى أن اقتنع الناس بما يُضَادُّ الشريعة!
- عندما تضعف الأُمَّةُ إلى أن تجهل عقيدتها في "الحُبّ في الله، والبُغْض في الله، والموالاة لله، والمعاداة في الله -عَزَّ وَجَلَّ- لأعداء الله"، وعندما تجهل قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).
- لو سمعنا كلمة "نتنياهو" وهو يؤكِّد التاريخ الذي مرَّ عليه 3000 سنة، ويتمسك بهُوِيَّةٍ واضحةٍ في نفس الوقت الذي تُنشر فيه في وسط بلاد الإسلام أن الأديان كلها مثل بعضها، وأن الملل متساوية، ولا فرق بيْن هذا وذاك! لعلمنا أنهم ينتصرون بتمييع دين المسلمين بقدر الجهل الذي ينتشر.
- فلا بد إذًن أن ننشر العلم، ونتعلم "قال الله، وقال الرسول"، وليس تَعَلُّمًا لمجرد العنوان، ولكن بأن يكون لنا كل يوم نصيب مِن الآيات نتدارسها -ندرس تفسيرها، ونتدبر معانيها- وننظر في واقِعِنا: هل طبقناها أم لا؟ ويكون لنا كل يوم نصيب مِن أحاديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وننظر: هل نعمل بها؟ فيكون لنا كل يوم نصيب مِن التعلم والعمل.
- ثم الدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- مِن أهم وسائل التغيير.
- والمحاربة الشديدة للدعوة لا بد ألا نستسلم لها، ولا بد أن نجتهد بكل وسيلة في أن نوصل صوتنا للناس بكل وسيلةٍ مِن الوسائل؛ فالذي يَخْطُب لا بد أن يُحَضِّر خُطْبَةً جَيِّدَةً متضمنة معاني التوحيد والإيمان والعلم، يُحَضِّرها قبْلها بوقتٍ كافٍ، والذي يعطي درسًا لا بد أن يستمر فيه، ويواظب عليه، ولا يتأخر عنه، ويجتهد في حثِّ الناس على حضوره.
- والأمر عامٌ لجميع الأُمَّة، رجالها ونسائها، كهولها وشبابها، بل وغلمانها، ولا بُدَّ أن يعلم الجميع أن له دورًا في نهضة هذه الأُمَّة، ولا نخجل مِن دعوتنا ولا مِن مبادئنا؛ نقولها بالأدلة، ونتكاتف حتى يغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما بنا.
- نتآلف ونتكاتف مع بعضنا البعض، ولا تصبح الأحقاد والتنافسات والأغلال هي الأمور المسيطرة على الساحة الدعوية والعملية حتى العلاقات بيْن الإخوة والأزواج والزوجات؛ فمَن يجد هذه النسبة الضخمة جدًّا مِن المشاكل اليومية، ومَن لديه هذه المشاكل داخل بيته كيف سينير لمَن حوله؟!
- لذلك كلِّه: لا بد أن نكون مجتهدين اجتهادًا كبيرًا في الإصلاح الحقيقي: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن المُسْتَمِع لكلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي في تهنئة اليهود بقرار الرئيس الأمريكي "ترامب" بنقل السفارة الأمريكية إلى "القُدْس" اعترافًا بأنها العاصمة الأبدية -كَذَبوا- لإسرائيل!
وكذلك كلمة نائب الرئيس الأمريكي في نفس المناسبة -وهو يفتخر أنه هو و"ترامب" مَن شَرُفوا بخدمة إسرائيل!-؛ يدرك بيقينٍ أن المعركة على "القُدْس" معركة عقائدية منهجية حضارية، تدور حول القِيَم؛ فكُلٌّ مِن الكلمتين ذِهنِيّة بامتياز، بل بغُلُوٍّ وتَعَصُّبٍ وكِبْرٍ، وازدراء للمخالفين واحتقارهم، كما يقول "نتنياهو": (ففي "القُدْس" حَكَم ملوك إسرائيل، ووَعَظ أنبياؤنا، وكان هَيكَلُنا)؛ فهو حريصٌ أن يؤكِّد أن عودتهم للقُدْسِ عودة دينية حسب الوعد الإلهي المزعوم.
والذي بَيَّنَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في كتابه أنه كان لهم عندما كانوا مُسْلمين مُؤمِنين مُتَّبِعين للأنبياء، ولَيسَ وَعْدًا أَبَدِيًّا مع كُفْرِهِم وتكذيبِهم، ومُحارَبَتِهِم دينَ الحق!
واليَمينُ الأمريكي المُتَطَرِّف يُؤكِّد نفسَ المعنى على لسان نائب الرئيس الأمريكي، فيُؤكِّد على عدالة القضية اليهودية في "القُدْس"، ويَا عَجَبًا؛ أين ضاع الحق التاريخي للهُنود الحمر في أمريكا؟! وكيف كانت إبادتهم عَدْلًا؟! والذين يَدَّعون عَدَالَة القضية اليهودية يُعَلِّلون قولَهم بأمورٍ، مِن أبرزها: ما تَعَرَّض له اليهود مِن محاولات إبادة، والعجب أن يدفع المسلمون ثمن تلك الإبادات التي قام بها الغرب في فتراتٍ مِن تاريخه، ولم يقم المسلمون بشيءٍ منها عبْر التاريخ!
بل عندما دخل المسلمون "القُدْس" في عهد عمر بن الخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- دَخَلُوها بَانِينَ لا هَادِمين، مُصْلِحِين لا مُفْسِدين، مُعَمِّرِين لا مُدَمِّرين، مُعَظِّمِينَ للبُقْعَة المُقَدَّسَة، مُزِيلِين عنها عُدْوان الرُّومان الوَثَنِيِّين الذين دَمَّروا ما عَلَوا تدميرًا؛ لأنه هكذا الإسلام يبني ويُعَمِّر، وينشر الحياة والعَدْل، حَيَاةَ القُلوبِ والأبدان.
وكذا فعل "صَلَاحُ الدِّين" عندما فَتَحها بعد احتلال الصليبيين، وَلَو كَرِهَ "يوسف زيدان" وأشباهُه -مِن المؤرخين الصهاينة- الذين يريدون أن يَنسى المسلمون "المسجد الأقصى" ليهدمه اليهود ويبنوا الهيكلَ المزعوم، فالمسجد الأقصى -في زَعْمِه- هو الذي بجوار الطائف!؛ خِدَاعٌ عَجِيب! وللأسف لا يُسْمَح بالرَدِّ على هذه الخُرافات بنفس المساحة والصوت الذي يتكلمون به وينشرون شبهاتهم!
إن الخطر العظيم الذي يتهدد واقع أُمَّتِنا هو في المحاولات الدءوبة لتمييع الهُوِيَّةِ الإسلامية لمجتمعات المنطقة كُلِّها، والابتعاد عن الدِّين، ومُهاجَمَة الرموز الدينية -الأحياءِ منهم والأموات-، ومُصَادَرَة حَقِّ ووَاجِبِ الدعوة إلى اللهِ على بصيرة؛ لكي لا يُصبِح في المشهد مَن يتكلم باسم الإسلام إلا "داعش، والقاعدة، والشيعة، والتيارات القُطْبِيَّة والتكفيرية".
فـ"الدَّعوة السلفية" وَهَّابِيَّةٌ متطرفة في زعمهم! و"الأزهر" منبع التطرف والإرهاب في كذبهم! ولا يوجد كيان إسلامي عندهم إلا وهو سبب مِحْنَة الُأَّمة! مع أن العلمانية والاشتراكية والقومية هي التي سيطرتْ على مقاليد الأمور في معظم البلدان منذ أكثر مِن قَرْنٍ مِن الزمان، تَرَنَّحَت الأُمَّةُ خِلَالَه، وخَسِرَتْ ما بأيديها، وصارت تَابِعَةً لأعدائها.
إن الأعداء لا يَتَحَرَّجون مِن إعلان هُويتهم الدينية، في حين يهاجمون الإسلام، ويصرِّحون بأنه سَرَطان خبيث في عقل أكثر مِن 1.7 مليار مِن البشر -كما قاله مستشار "ترامب" السابق -أخزاه الله-.
وعندما يَتَحَرَّجُ الأكثر مِن أن يتلو -مُجَرَّدَ تِلاوةٍ- قولَ اللهِ -تَعَالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة:120)؛ فضلًا عن فَهْمِهَا والعَمَلِ بها والدَّعْوَةِ إليها، ويَتَحَرَّجُون مِن قوله -تَعَالَى-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران:19)، وقوله: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، وتَحْذِفُ لِجَانُ المُرَاجَعَة للمناهج مِن كتب التربية الدينية لأبنائنا أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- دَعَا إلى دين الحق الذي هو الإسلام؛ فتحذف "الذي هو دين الإسلام!"، والطَّبَعاتُ مَوجودةٌ سَابقًا ولَاحِقًا.
يَتَحَرَّجُ أَقوامٌ مما يُصَرِّحُ به اليهود أن الحربَ حَرب دينٍ ومبادئ وقِيَم، فيزعم أن الحربَ ليستْ إلا على الأرض فقط! فما تصنعون بالأرض إذًن؟! وأَيّ دينٍ ستعملونَ على إعلائِه فيها؟ قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (متفق عليه).
والعجيب أن بعض القائلين بأن الصراع ليس دينيًّا هم مِن المُنتَسِبِين إلى العمل الإسلامي! فاسمعوا "نتنياهو" لتعرفوا!
إن الأُمَّة مُسْتَهْدَفَة في دِينها وقِيَمِها وأهدافِها؛ فصارت آمال الشباب مُعَلَّقَة بالكُرَة، وصار إحراز أهدافها هو الهدف الأكبر لكثيرٍ منهم، والفوز بمسابقاتها -أو حتى مجرد بُلُوغِها- هو الفوز الأكبر في حِسِّ كَثيرٍ منهم! والأبطال هم نجوم الفن والسينما التي يضغط الغرب بكل قوة لإدخالها لكل بلاد المسلمين، حتى تلك البلاد التي استقرت الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الدينية الرسمية فيها على المنع منها! وتحرير المرأة مِن عبوديتها للهِ لِتُصْبِح مَمْلُوكَة لأهل الشهوات والفِسق والفُجور، وتصير لعبة فوق البيع في كل تجارة فاسدة، باسم التقدم وانتصار قيم الحرية الغربية، هذا هو الذي يدعو إليه أعداؤنا!
نقول: إن مُحارَبَة الدين والتدين، وطمس الهُوِيَّة الإسلامية لبلادنا، لن ينتج منه إلا الخراب والتمكين للأعداء، وهم لَا يَرْقُبُونَ في مُؤمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّة، ولن يُعطوا مَن يَتحالَف معهم ويُمَكِّن لهم مِن تغيير قِيَم المُجتمعاتِ شَيئًا مما يتمناه!
فما أشبه الليلة بالبارحة؛ فنفس الخطاب الزاعم حُرِّيَّة العبادة لأهل الأديان -مع أن "المسجد الأقصى" يُمْنَع مِن دون الخامسة والأربعين مِن دُخُولِه- هو نفس الخطاب المذكور في اتفاق تسليم "غرناطة" وسقوط "الأندلس"، والذي بدأت بعده "محاكم التفتيش"، وأزيل الإسلام والمسلمون بالكُلِّيَّةِ بأبشع صور الإبادة؛ فَهُم يستخدمون هذا الخطاب لفترةٍ وجيزة، يظهر بعدها الوجه الحقيقي مِن التعصب الممقوت والعدوان ونقض العهود.
إن عقيدة أهل الإسلام لا تتزعزع في قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) (متفق عليه).
إن أُمَّتَنا قد تَمرَض، ولكن لن تموت، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ) (متفق عليه)، وفي رواية: (حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، أما مَن يَتَبَرَّأ مِن هُوِيَّتِها في وقت الضعف والمَرَض، أو يكون أداةً مِن أدوات الأعداء في هَدْمِ قِيَمِها وتغيير أهدافها؛ فهو الذي يَجْتَثُّ نَفْسَه مِن جسدها الواحد، ويحكم على نفسه بالموت والهلاك.
وسَتُعَافَى الأُمَّة بعد حين، وتعود لها عِزَّتُها إذا عادت لدينها: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَ?كِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)، وقال -عَزَّ وَجَلَّ-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).
واجب الوقت:
سنسأل سؤالًا فقط: هل نحن موقنون بأن موازين قوة الأُمَم وضَعْفِها، واجتماعها وتَفَرُّقها بيد الله -سُبحانَه وَتَعَالى-؟! بأنه -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي يَسْتَخْلِف: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)
بأنه هو الذي يُمَكِّن: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور:55)
موقنون بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:5-6)
موقنون بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء:6) -أي: قوة عسكرية-
إذا أَيْقَنَّا بذلك؛ فلننظر: لماذا حدث لنا ذلك؟!
بالتأكيد نحتاج إلى تغيير: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).
فماذا نفعل إذًن؟!
- نُصَلِّي أكثر مما نُصَلِّي؛ فالذي لا يصلي الفجر -حاضرًا- يصليه، والذي لا يصلي في المسجد يصلي فيه، ومَن يصلي في المسجد يستيقظ قبْل الفجر يدعو رَبَّنَا -سبحانه وتعالى- ويصلي قِيامَ لَيْلٍ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153)، وقال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:45-46).
- نُغَيِّرُ وَاقِعَنا الذي نعيشه، ويكون لدينا نور نُوصِلُه لِمَن حَوْلَنا، بدلًا مِن أن ينهار المجتمع في عقيدته وفي أخلاقه وفي عباداته! فكثير جِدًّا مِن شبابنا لا يُصَلِّي، وكثير مِن بناتنا اعتَقَدْنَ أن الحجاب ليس بالضرورة؛ فنَشْرُ الجهل سَبَبٌ مِن أعظم أسباب تذويب هُوِيَّة الأمة، ومِن أعظم أسباب تَسَلُّط الأعداء، وهناك نشرٌ كبيرٌ للجهل، وليس فقط تركٌ لطلب العلم، بل إن نشر الجهل قد وصل حتى إلى أن اقتنع الناس بما يُضَادُّ الشريعة!
- عندما تضعف الأُمَّةُ إلى أن تجهل عقيدتها في "الحُبّ في الله، والبُغْض في الله، والموالاة لله، والمعاداة في الله -عَزَّ وَجَلَّ- لأعداء الله"، وعندما تجهل قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).
- لو سمعنا كلمة "نتنياهو" وهو يؤكِّد التاريخ الذي مرَّ عليه 3000 سنة، ويتمسك بهُوِيَّةٍ واضحةٍ في نفس الوقت الذي تُنشر فيه في وسط بلاد الإسلام أن الأديان كلها مثل بعضها، وأن الملل متساوية، ولا فرق بيْن هذا وذاك! لعلمنا أنهم ينتصرون بتمييع دين المسلمين بقدر الجهل الذي ينتشر.
- فلا بد إذًن أن ننشر العلم، ونتعلم "قال الله، وقال الرسول"، وليس تَعَلُّمًا لمجرد العنوان، ولكن بأن يكون لنا كل يوم نصيب مِن الآيات نتدارسها -ندرس تفسيرها، ونتدبر معانيها- وننظر في واقِعِنا: هل طبقناها أم لا؟ ويكون لنا كل يوم نصيب مِن أحاديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وننظر: هل نعمل بها؟ فيكون لنا كل يوم نصيب مِن التعلم والعمل.
- ثم الدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- مِن أهم وسائل التغيير.
- والمحاربة الشديدة للدعوة لا بد ألا نستسلم لها، ولا بد أن نجتهد بكل وسيلة في أن نوصل صوتنا للناس بكل وسيلةٍ مِن الوسائل؛ فالذي يَخْطُب لا بد أن يُحَضِّر خُطْبَةً جَيِّدَةً متضمنة معاني التوحيد والإيمان والعلم، يُحَضِّرها قبْلها بوقتٍ كافٍ، والذي يعطي درسًا لا بد أن يستمر فيه، ويواظب عليه، ولا يتأخر عنه، ويجتهد في حثِّ الناس على حضوره.
- والأمر عامٌ لجميع الأُمَّة، رجالها ونسائها، كهولها وشبابها، بل وغلمانها، ولا بُدَّ أن يعلم الجميع أن له دورًا في نهضة هذه الأُمَّة، ولا نخجل مِن دعوتنا ولا مِن مبادئنا؛ نقولها بالأدلة، ونتكاتف حتى يغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما بنا.
- نتآلف ونتكاتف مع بعضنا البعض، ولا تصبح الأحقاد والتنافسات والأغلال هي الأمور المسيطرة على الساحة الدعوية والعملية حتى العلاقات بيْن الإخوة والأزواج والزوجات؛ فمَن يجد هذه النسبة الضخمة جدًّا مِن المشاكل اليومية، ومَن لديه هذه المشاكل داخل بيته كيف سينير لمَن حوله؟!
- لذلك كلِّه: لا بد أن نكون مجتهدين اجتهادًا كبيرًا في الإصلاح الحقيقي: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).