أثار إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، السبت الماضي عن حالة الطوارئ لمدة شهر قابلة للتجديد، جدلا سياسيا وقانونيا بين رافض ومؤيد للقرار.
وجاء قرار الرئيس التونسي بسبب ما قال إنه خطر "داهم يتهدد البلاد"، بعد تعدد وتنوع العمليات الإرهابية التي ضربت تونس.
وكان السبسي قد أكد في كلمة متلفزة أنّ "تونس تعيش اليوم في حالة حرب، ولابد من التصدي للعدو بمستلزمات الحروب".
"النهضة" مع قرار الطوارئ
حظي قرار السبسي، بتأييد واضح وصريح من قبل حركة "النهضة"، إذ جاء في بيان للحركة أن "النهضة كطرف وطني وشريك مسؤول، تتفهّم هذا القرار في ضوء التّهديدات والعمليّات الإرهابيّة، التي ألحقت أضرارا بالغة بأمن البلاد واستقرارها واقتصادها، والتي تحتاج إلى مواجهة شاملة وطويلة الأمد".
ودعا البيان، الذي وقعه رئيس الحركة راشد الغنوشي، المواطنين والمواطنات إلى "الالتفاف حول مؤسّساتنا الجمهوريّة وخياراتنا الديمقراطيّة وإلى تقوية الوحدة الوطنية واليقظة الدائمة، ودعم وحداتنا العسكرية والأمنية في هذه الحرب الاستثنائيّة".
كما أكدت الحركة أن "الإرهاب مرفوض فكرا وممارسة من قبل الشعب التونسي، وأنّه لا مستقبل له في تونس، وأنّ هزيمته آتية بإذن الله طالما واصلنا الحرب ضده، وطورنا الخطط والوسائل وقطعنا الطريق أمامه في بث الخوف والفزع في المجتمع".
المعارضة ترفض الطوارئ
في المقابل، أعربت جل أحزاب المعارضة عن رفضها لقرار إعلان الطوارئ، بل إنها عبرت عن خشيتها من عودة "الوضع الاستثنائي"، مشيرة الى أن لديها تخوفات جدية على الحريات وتواصل المسار الديمقراطي.
وفي هذا السياق، قال محمد الحامدي رئيس حزب "التحالف الديمقراطي" المعارض، إنه "لا يوجد سبب لإعلان حالة الطوارئ ولا فائد منه". مشيرا إلى أن تونس اليوم "أمام إخفاق أمني استخباراتي تتحمله حكومة ليس لها استراتيجية واضحة لا في موضوع الإرهاب ولا في غيره".
وشدد الحامدي، على أنه "إذا كان الأمر يتعلق بالحاجة إلى استدعاء جيش الاحتياط ونشر الجيش في المدن، فهذا لا يستدعي إعلان حالة الطوارئ، فالفصل 18 من الدستور يجيزه بقانون".
إثارة إشكال دستوري
في تعليق قانوني على قرار إعلان الطوارئ، قال أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية قيس سعيد إن "قرار رئيس الجمهورية يطرح إشكالا دستوريا".
وأضاف سعيد في تصريح صحافي أن "القرار ليس في محله، لاسيما أنه اتخذ بعد أسبوع من العملية الإرهابية التي جدت في سوسة، أي بعد أن استقرت الأوضاع نسبيا"، معتبرا أنّ السلطة السياسية الحالية تبدو وكأنها ما زالت تتعامل مع تونس وفقا لدستور يونيو 1959".
وبين سعيد أن الفصل 80 من دستور 2014 يقتضي بتوفر جملة من الشروط الموضوعية التي تتيح لرئيس الجمهورية اتخاذ تدابير استثنائية، وهي وجود خطر داهم ولا يكفي أن يكون وشيك الوقوع، فضلا عن تهديد كيان الوطن واستقلاليته أي حينما يتعذر تسيير دواليب الدولة بشكل عادي.
استجابة لمطلب مجتمعي
من ناحية أخرى، يرى عدد من المراقبين المستقلين، أن قرار إعلان الطوارئ، يرتقي إلى أن يكون استجابة لمطلب مجتمعي، لأن فيه تفاعلا مع القلق الموجود لدى فئات واسعة من التونسيين، من تدهور الوضع الأمني وتصاعد تهديد الجماعات الإرهابية، خاصة بعد عمليتي باردو وسوسة.
وأشاروا إلى أن هذا الخوف الجماعي يمكن رصده بكل موضوعية في الشارع التونسي، معتبرين أن هذا "المطلب المجتمعي" لا يعبر عنه اليوم بالوسائل التقليدية المتمثلة في "المناشدة" – كما يرى البعض - بل يبرز من خلال رصد اهتمامات واتجاهات "الرأي العام" في حراكهم اليومي وعبر ردود أفعالهم وسلوكياتهم.
وأضافوا أنه يبرز أيضا من خلال ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تمثل أداة مهمة لقياس اتجاهات الرأي العام. وهي كلها تشير إلى أن التونسيين أصبحوا يحنون إلى الاستقرار، خصوصا في ظل مخاوف جدية من انزلاق الوضع نحو الفوضى، وهي مقدمات من شأنها أن تجعل من تونس "دولة فاشلة".