الحمد لله الذي ملأ بنور الإيمان قلوب أهل السعادة، فأقبلت على طاعة ربها منقادة، فحققوا حسن المعتقد وحسن العمل وحسن الرضا وحسن العبادة، أحمده سبحانه وأشكره، وقد أذن لمن شكر بالزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغ صاحبها المنى وزيادة. وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، المخصوص بعموم الرسالة، وكمال السيادة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم السعادة.

وبعد

عندما يمر علينا شهر شعبان المبارك، نتذكر هذه المناسبة العظيمة، مناسبة ليلة النصف من شعبان، والناس يختلفون حولها، وحول فضلها، ما بين مثبت وما بين ناف أن يكون لهذه الليلة فضل، لذلك آثرنا بهذه المناسبة أن نوضح بعض الأمور المتعلقة بهذه الليلة، سائلين المولى –عزوجل- أن يتقبله منا وأن يجعله لوجه خالصاً، وليس لأحد غيره فيه نصيباً.

* عناصر الموضوع:

وسنتناول بمشيئة الله من خلال هذا الموضوع النقاط التالية: أسماء هذه الليلة، وفضلها، ومشروعية الاهتمام بها، وكيف ندرك فضلها؟

* الموضوع

أولاً:أسماء هذه الليلة:

ذكر العلماء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ/حسين مخلوف –رحمه الله تعالى- شيخ الأزهر سابقاً، في كتابه (شذرات في فضائل ليلة النصف) أن لهذه الليلة أسماء متعددة، وكل اسم من هذه الأسماء يحمل معنى وفضل لهذه الليلة، فمن أسماء هذه الليلة"ليلة الرحمة، وليلة الإجابة، وليلة الغفران، وليلة القسمة، وليلة التقدير والحياة، وليلة البراءة، والليلة المباركة.." وذكر لكل اسم من هذه الأسماء ما يأيدها بأثر أو بمعنى استلهمه من خلال ما جاء في فضل هذه الليلة. (1)

ثانياً:فضل هذه الليلة:

وأما فضل هذه الليلة، فقد جاء في فضلها أن فيها:

1- يغفر الذنوب:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال-صلى الله عليه وسلم-:" إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ يغفرُ اللهُ لعبادِهِ إلا لمُشركٍ أو مُشَاحِنٍ" وفي رواية" أو قاتل نفس"وفي رواية" إلا العاق". (2)

2- يستجيب الله فيه الدعاء:

فعن عن عثمان بن أبي العاص – رضي الله عنه-عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :"إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ نادى منادٍ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له هل من سائلٍ فأُعطيَه فلا يسألُ أحدٌ شيئاً إلا أُعطى إلا زانيةٌ بفرجِها أو مُشْرِكٌ". (3)

وقد قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:" بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال ليلة الجمعة، والعيدين وأول رجب ونصف شعبان ".(4)

ثالثاً: مشروعية الاهتمام بها:

وأما مشروعية الاهتمام بها فقد أفتى كثير من علماء الأمة على جواز ذلك، منهم:

1- شيخ الإسلام بن تيمية-رحمه الله-قال: "إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من السلف فهو أحسن وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة كالاجتماع على مائة ركعة بقراءة ألف: {قل هو الله أحد} دائماً فهذا بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة والله أعلم(5)

2- ابن رجب الحنبلى-رحمه الله –يقول: "فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى

ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.

وأنشد

فقم ليلة النصف الشريف مصلياً

فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه

فكم من فتى قد بات في النصف آمناً

وقد نسخت فيه صحيفة حتفه

فبادر بفعل الخير قبل انقضائه

وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه (6)

رابعاً:كيف ندرك فضلها:وندرك فضلها بـ

1- التفرغ في هذه الليلة للذكر والدعاء:

قال ابن حجر –رحمه الله-: "وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة إحياؤها بالعبادة مستحب ولكن على الإنفراد، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال-صلى الله عليه وسلم-:" ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حتى يمضى ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضىء الفجر".(7)

2- البعد عن الشرك، سواء كان الشرك الظاهر أو الخفي:

قال تعالى:{ إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }[النساء : 48]، وقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف : 110]

3- عدم المشاحنة والعداوة:

وليكن شعارنا كشعار جيل الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين "{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر : 10]، وعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال- صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".(8)

ولنحذر من المشاحنة والعداوة فإن فيه هلاك الأمة:

قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 46]، وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه- قال:قال-صلى الله عليه وسلم-:"دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".(9)

4- التسامح والحب والعفو:

فعن أبي أيوب - رضي الله عنه- قال:قال- صلى الله عليه وسلم-:" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". (10)

قصة أبي بكرالصديق مع أبي مسطح – رضي الله عنهما-:

في حادثة الإفك عن عائشة -رضي الله عنها -زوج النبي -صلى الله عليه و سلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا وأنزل الله عز و جل { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [النور : 11،..] العشر الآيات فيما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر(وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره): والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله :{ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور : 22] قال أبو بكر: بلى والله أني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبداً".(11)

5- التوبة إلى الله عزوجل توبة نصوحاً:

قصة توبة مالك بن دينار كانت في ليلة النصف من شعبان:

فقد كان شرطياً وكان منهمكاً على شرب الخمر ثم ولدت له بنتاً، وكان يحبها فماتت، فحزن عليها حزناً شديداً، فرأى ليلة نصف شعبان أنه خرج من قبره وحية عظيمة تتبعه كلما أسرع أسرعت فمر بشيخ ضعيف فسأله أن ينقذه منها، فقال: أنا عاجز مر وأسرع لعلك تنجو منها، فأسرع وهي خلفه حتى مر على طبقات النار وهي تفور وكاد أن يهوي فيها، وإذا بصوت يقول: لست من أهلي فمر، حتى أشرف على جبل به طاقات وستور، وإذا بصوت يقول: أدركوا هذا اليائس قبل أن يدركه عدوه، فأشرف عليه أطفال فيهم بنته التي ماتت، فنزلت إليه وضربت بيدها اليمنى إلى الحية فولت هاربة وجلست في حجره قائلة{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد : 16] فقال لها: أتقرءون القرآن؟ قالت :نحن أعرف به منكم، ثم سألها: ما مقامهم هنا؟ فأخبرته: أنهم أسكنوا هنا إلى يوم القيامة ينتظرون آباءهم يقدمون عليهم، ثم سأل عن تلك الحية؟ فقالت: عملك السوء، وعن الشيخ؟ فقالت:عملك الصالح أضعفته حتى لم تكن له طاقة بعملك السوء، فتب إلى الله ولا تكن من الهالكين، ثم ارتفعت عنه واستيقظ، قال مالك: فانتبهت فزعاً وأصبحت فأرقت المسكر وكسرت الآنية وتبت إلى الله عز و جل وهذا كان سبب توبتي.(12)

خامساً: تنبيه على بعض الأخطاء التي تقع في ليلة النصف من شعبان:

ونريد أن ننبه على بعض الأخطاء التي تقع في ليلة النصف من شعبان فمن ذلك:

1- دعاء ليلة النصف من شعبان:لم يرد فيه نص صحيح، وفيه مخالفات شرعية وعقدية منها قولهم "ياذا المن ولا يمن عليه، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً.."

2- تخصيص نهاره بصيام:إلا إذا كان من باب صيامه من الأيام القمرية، أو وافق يوم الاثنين والخميس ومن عادته أن يصوم مهما.

3- قراءة سورة بعينها: مثل "يس"أو صلاة ركتين بكيفية معينة بنية طول العمر أو الغنى عن الناس.

4- تفسير بعض الآيات خطأ مثل:

قوله تعالى: {إنا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) } [الدخان: 3،4]يقولون أنها نزلت في النصف من شعبان، والصحيح أنها نزلت في شأن ليلة القدر.

وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* المصادر والمراجع:

1. شذرات في فضائل ليلة النصف-لفضيلة الشيخ/حسين مخلوف –رحمه الله تعالى- شيخ الأزهر سابقاً.

2. أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان (3/379 ، رقم 3824) وقال : هذا مرسل جيد، البزار (1/57، رقم80). قال الهيثمي (8/65): فيه عبد الملك بن عبد الملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه، وبقية رجاله ثقات.

3. أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان (3/383، رقم 3836) وقال : هذا مرسل جيد يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة، البزار (1/157، رقم 80). قال الهيثمي (8/65) : فيه عبد الملك بن عبد الملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه، وبقية رجاله ثقات .

4. شرح البهجة الوردية-لعمر بن الوردي(5/257)

5. الفتاوى الكبرى/ لشيخ الإسلام: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني،الناشر: دار المعرفة – بيروت،الطبعة الأولى، 1386،تحقيق : حسنين محمد مخلوف.

6. لطائف المعارف:ابن رجب الحنبلى(1/151).

7. أخرجه: مسلم (1/522 ، رقم 758)، والترمذي (2/307، رقم 446) وقال: حسن صحيح.

8. أخرجه:البخاري (1/14 ، رقم 13) ، ومسلم (1/67 ، رقم 45)

9. أخرجه: أحمد (1/164، رقم 1412)، والترمذي (4/664 ، رقم 2510)، والبيهقي (10/232 ، رقم 20854) ، والضياء (3/81 ، رقم 889) وقال : إسناده منقطع

10. أخرجه: البخاري (5/2256، رقم 5727)، ومسلم (4/1984، رقم 2560).

11. أخرجه: البخاري (2/942 ، رقم 2518)، ومسلم (4/2129 ، رقم 2770).

12. التوابين:لإبن قدامة المقدسي أبو محمد-دار الكتب العلمية - بيروت، 1403 – 1983،تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط.(ص:202)، وكتاب: الزواجر عن اقتراف الكبائر: لابن حجر الهيثمي- تحقيق: مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطفى الباز- المكتبة العصرية-س 1420هـ - 1999م- لبنان / صيدا – بيروت(ص:314).

عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عضو المجلس العام لنقابة الدعاة