بعد أن أحالت محكمة جنايات القاهرة، السبت الماضي، أوراق الرئيس المصري المعزول محمد مرسي و105 أشخاص آخرين، بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، والداعية يوسف القرضاوي، إلى المفتي لاستطلاع رأيه بشأن الحكم بإعدامهم في القضية التي عرفت إعلامياً بـ"اقتحام السجون"، اتجهت الأنظار إلى منطقة الدراسة بالقاهرة حيث يقع مقر دار الإفتاء المصرية، وحيث يترقب الجميع صدور تقرير المفتي الذي سيحسم هذه القضية.
السرية التامة هي العنوان الأبرز لما يدور داخل الدار حول تقرير المفتي، فلا أحد من المسؤولين فيها يريد الإجابة عن أي أسئلة متعلقة بهذا الشأن، حفاظاً على السرية وعلى إجراءات العدالة.
"العربية.نت" رصدت رحلة تقرير المفتي منذ أن تُحال إليه أوراق الإعدام من محكمة الجنايات وحتى عودتها إليها مرة أخرى، أما مشفوعة بتأييد المفتي لحكم المحكمة أو برفضه.
3 مراحل تمر بها "الأوراق"
بداية تقوم دار الإفتاء، بعد تسلم أوراق الإحالة، بدراستها جيدا وعرض الأدلة التي تحملها ومطابقة كل ما ورد فيها للنصوص الشرعية ومعايير الفقه الإسلامي على اختلاف آراء الفقهاء، واختيار الرأي الذي يوافق الشريعة وصالح المجتمع. ويرفق التقرير الخاص بملف القضية بعد الانتهاء من إعداده، بظرف مغلق ومختوم، يتم تسليمه لمحكمة الجنايات في سرية تامة.
وتُحال الأوراق الخاصة بالإعدام للدار تنفيذا للمادة 2/183 من قانون الإجراءات الجنائية، حيث تحيل محاكم الجنايات هذه القضايا بشكل وجوبي وملزم إلى المفتي وإلا يُعد الحكم باطلا، وبعد إرسال تقرير المفتي إلى المحكمة، تقوم المحكمة بالنطق بالحكم.
يذكر أن رأي المفتي هنا استشاري وليس ملزما بالنسبة للقاضي الذي يتخذ قراره بمنتهى الحرية على خلفية الرأي الشرعي الذي يصله من دار الإفتاء، لكن استشارة رأي المفتي لا تقلل من أهمية دوره، بل تميل المحكمة دائما إلى الأخذ برأيه، خاصة لو جاء تقريره قائما على أسانيد شرعية واضحة.
وتمر أوراق قضايا الإعدام بثلاث مراحل داخل دار الإفتاء المصرية وهي: مرحلة الإحالة، ومرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي، ثم مرحلة التكييف الشرعي والقانوني.
وتتضمن مرحلة الإحالة، قيام دار الإفتاء بفحص القضية المحالة إليها ودراسة الأوراق منذ بدايتها، وذلك قبل النطق بالحكم، ثم تأتي مرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي، وفيها تقوم دار الإفتاء بفحص القضية المحالة إليها والالتزام بعرض الواقعة والأدلة حسب ما تحمله أوراق القضية على الأدلة الشرعية بمعاييرها الموضوعية المقررة في الفقه الإسلامي، وتكييف الواقعة ذاتها وتوصيفها بأنها قتل عمد إذا تحققت فيها الأوصاف التي انتهى الفقه الإسلامي إلى تقريرها لهذا النوع من الجرائم.
سرية تامة داخل أروقة دار الإفتاء
ويلي ذلك مرحلة التكييف الشرعي والقانوني، وفي هذه المرحلة يعاون المفتي هيئة مكونة من ثلاثة من المستشارين من رؤساء محاكم الاستئناف، تكون مهمتها دراسة ملف القضية لبيان ما إذا كان الجُرم الذي اقترفه المدانون يستوجب إنزال عقوبة القصاص حداً أو تعزيراً أو قصاصاً أو غير ذلك. كما من مهمة المفتي والهيئة المعاونة له في هذه المرحلة النظر في سؤال حول هل يستحق المتهم الإعدام أم لا وفقا للنصوص الشرعية. وتهدف هذه المرحلة لطمأنة القاضي إلى مشروعية حكمه، لأن هذه القضايا حساسة ويترتب عليها إزهاق روح، لذلك نصّ المشرع على أن يصدر حكم الإعدام بالإجماع، وذلك على عكس الأحكام الأخرى التي يمكن الاكتفاء فيها برأي الأغلبية فقط. كما أن حكم الإعدام لا بد أن يصدر من قبل أشخاص يتمتعون باستقرار نفسي وذهني، لذلك يتم إحالة القضية للمفتي لأخذ رأيه فيها.
وفي هذا السياق، شرح إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، لـ"العربية.نت"، أن لجنة من دار الإفتاء تتسلم أوراق الإحالة للمتهمين، وتتولى النظر فيها والإلمام بكل تفاصيلها وخيوطها لبيان الرأي الشرعي فيها، مشدداً على أن الأمر محاط بالسرية التامة ولا يطلع أحد من خارج اللجنة مهما كان منصبه على تقرير اللجنة الذي يُرسل للمحكمة.
وأوضح أن دار الإفتاء تتبع المنظومة القضائية في التعامل مع مثل هذه الأمور، ولا يجوز لأحد الاطلاع عليها، لأن بيان الرأي الشرعي في هذه القضايا جزء من إجراءات المحاكمة.
إمكانية تخفيف العقوبة
أما الخبير القانوني مجدي محمد حسن، فأكد لـ"العربية.نت" أن إحالة أوراق المحكوم عليهم بالإعدام للمفتي هو إجراء قانوني وجوبي طبقا لنصوص القانون المصري، حيث اشترط القانون لتوقيع العقوبة أن تحال الأوراق للمفتي لاستطلاع رأيه الشرعي، على أن ينطق القاضي بحكم الإعدام بعد ورود تقرير المفتي وليس قبل ذلك وإلا يعتبر الحكم باطلا.
وأضاف أن المفتي ينظر في أوراق القضية من الناحية الشرعية لبيان مشروعية الحكم ولكي يطمئن ضمير القضاة إلى صحة حكمهم.
وشرح حسن أنه إذا رأى المفتي أن الجريمة التي اقترفها المدانون لا تستحق الإعدام فيكتب ذلك في تقريره المرسل للقاضي، وهنا يكون رأي المفتي استشاريا وليس ملزما للقاضي ومن حقه أن يأخذ به من عدمه.
واستطرد قائلاً إن القاضي غالباً ما يأخذ برأي المفتي "كالتزام أدبي وديني على اعتبار أن هذا رأي الدين والشرع"، ولو صدر تقرير المفتي بعدم استحقاق المدان لعقوبة الإعدام تقوم المحكمة بتخفيف الحكم إلى المؤبد.
وأضاف حسن أن "هذا ما حدث في 20 يونيو 2014 عندما قررت محكمة جنايات الجيزة إحالة أوراق محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إلى مفتي الديار المصرية و13 من قيادات الإخوان في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث مسجد الاستقامة، إلا أن المفتي رفض التصديق على الحكم، وقررت المحكمة إعادة إحالة الأوراق إليه مرة أخرى في 7 أغسطس من العام نفس، إلا أن الحكم النهائي في تلك القضية كان السجن المؤبد لبديع والبلتاجي وآخرين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بناءً على ورود تقرير دار الإفتاء المصرية بعدم التصديق على حكم الإعدام مرة أخرى في 30 أغسطس من العام نفسه".