خطة محكمة راعت خطوط دفاع النظام البعيدة والقريبة, وبدراسة متقنة شملت كل مفاصل القوة للنظام والميليشيات الشيعية المتعددة التي تسانده, كانت الخطوات الأولى لإعلان "غزوة" إدلب التي أطلقها الثوار في محافظة إدلب وريفها لتحرير المدينة التي استعصت على أكثر من محاولة لتحريرها, كانت أولاها بمحاولة لواء شهداء إدلب عام 2013 وآخرها محاولة جبهة النصرة في نهاية عام 2014 والتي انتهت جميعها إلى الانكفاء نتيجة عدم التوفر الظروف الموضوعية لإكمال التحرير, ولكنها تبقى خطوات مباركة قدمت ما تستطيع.

الآن, ما الذي تختلف به تلك العملية عن غيرها من العمليات التي انطلقت سابقاً ولماذا تحققت؟؟
المعركة التي خٌططت لمراحل وبدأت مرحلتها الأولى بتمهيد مدفعي وبمئات الفوهات من الأسلحة الصاروخية والمدفعية والهاونات, واستهدفت فصل الخط الدفاعي الأول البعيد المحيط بادلب عن خط الدفاع الثاني, ويتمثل الخط الدفاعي الأول الذي وضعه النظام عن مدينة إدلب بمعسكرات المسطومة على الاتجاه الجنوبي وحاجز القرميد والتنمية وحاجز بنش على الاتجاه الشرقي إضافة إلى حاجز معمل الكونسروة على الاتجاه الغربي, أما خط الدفاع الثاني والمتمثل بأكثر من (25) حاجز صغير تتموضع على كورنيشها الذي يحيط بالمدينة من جهاتها الأربعة.

هذا العزل بالنيران الذي حققته الفصائل المهاجمة لاستبعاد جهود المعسكرات البعيدة من تأمين الدعم الناري لقوات النظام في الداخل, وبعد أن قطعت الشريانين الأساسيين لإمداده إن كان عبر خط أريحا- المسطومة- إدلب, أو عبر الشريان الواصل من قريتي الفوعة وكفريا (الشيعيتين) واللتان تحويان معظم الشيعة القادمة من حزب الله والحرس الثوري الإيراني والباسيج وأيضاً كافة المرتزقة الشيعة القادمين من بلدان أسيوية مختلفة, هذا القطع مكن الثوار من التقدم والوصول إلى تخوم المدينة واقتحام الدفاعات المباشرة للنظام, هذا النجاح مهد لانطلاق المرحلة الثانية بالانتقال نحو حدود المدينة والبدء بالتعامل مع الحواجز الصغيرة المتوزعة على مداخل المدينة الأربعة.

مع بدء الهجوم وببسالة وشجاعة قتالية ليست بغريبة عن الثوار، انهارت معظم الحواجز وخاصة في الجبهة الشرقية، والمتمثلة بحواجز (سادكوب) و(الإنشاءات) و(المحلج) و(المسلخ) و(الغزل) القديم والجديد و(الأعلاف), مما سهل الاندفاع نحو الداخل والبدء بحرب عصابات وحرب شوارع يتقنها الثوار أكثر من غيرهم, وعلى الجبهة الشمالية لإدلب والتي تضم كلاً من حاجز (صباح قطيع) و(الرام) و(السكن الشبابي) و(الجامعة) لم تكن بأفضل من مثيلاتها في الشرق, فسرعان ما انهارت تحت ضربات الثوار ومهدت لهم بالدخول نحو بقية الأحياء السكنية.

بهذا الخرق من القطاع الشمالي والشرقي ولحق بهم فيما بعد تقدم ميداني للثوار من الجهة الغربية أصبحت كتائب الثوار داخل أسوار إدلب وبدأت الحرب من الداخل.

أهل الفوعة وكفريا الذين أعدهم النظام واعتبرهم كخزان بشري يقدمون الدعم في الصد عن إدلب, خذلوه ومنعوا أي مساندة أو مؤازرة تخرج لإدلب ليس وقوفاً مع الثوار، ولكن لإدراكهم إن أي دعم للنظام لن يغير بمصير المعركة, وبنفس الوقت لمعرفتهم أن أي قوة تتوجه لإدلب لدعم النظام فإنها لن تعود وستحاصر أو تدمر هناك, هذا الموقف كان له موقفاً مشابهاً له في شوارع وأحياء اللاذقية التي اشتبكت شبيحتها مع مخابرات النظام بالأسلحة الرشاشة وخاصة في حي (الدعتور) بعد امتناعهم عن تشكيل قوات مؤازرة للنظام تتوجه إلى إدلب، بعد سماعهم لأصوات سيارات الإسعاف التي لا تتوقف وهي تدخل المدينة قادمة من إدلب، محملة بعشرات الجثث والمصابين أو عبر أصوات السيارات التي تجوب شوارع المدينة طالبة من الأهالي التبرع بالدم في المشافي العسكرية والمدنية هناك.

طائرات النظام التي لا تغادر سماء إدلب وترمي بصواريخها الفراغية وبراميل موتها على كل ما يتحرك تحتها, كثيراً ما أخطأت أهدافها وأصابت مواقع النظام ،كما حصل عندما استهدفت مبنى فرع المرور في إدلب، وأوقعت الكثير من القتلى في صفوفها, وعندما كانت تعجز تلك الطائرات والحوامات عن اكتشاف أماكن تموضع الثوار, تذهب للانتقام من الحاضنة الشعبية والسكان المدنيين بإمطارهم بكل ما تحمل من ذخائر لتستهدف الشيوخ والنساء والأطفال الآمنين في القرى والبلدات المحيطة لإدلب مثل (سرمين) و(بنش) و(سراقب) و(قميناس), وحتى السلاح الكيميائي تم استخدامه لمرتين عندما استهدفت حوامات النظام قرى (سرمين) و(بنش) ببراميل تحمل غاز الكلور في خرق جديد يضاف لـ(361) خرق سابق لقرارات مجلس الأمن, الأمر الذي أوقع الكثير من المصابين بحالات اختناق تم نقلهم لأقرب المشافي الميدانية وأصحاب الحالات الخطرة تم إسعافهم للمشافي التركية عبر بوابة باب الهوى.

بعد السيطرة على حواجز صوامع الحبوب والوصول إلى المنطقة الصناعية, تابعت المعارك لتدور قريباً من المربعات الأمنية, وليصبح الطريق مؤمناً وسالكاً نحو إكمال التحرير وتخليص إدلب من براثن عصابات مجوسية صفوية أسدية أذاقت أهلنا الويلات.

وبتقدم متزن من المحاور الثلاث (شرقاً وشمالاُ وغرباُ) مع ترك الجبهة جنوبية تحت السيطرة ومنفذاً للهروب، تحت قاعدة ترك منفذ هروب للخصم كي لا تجعل منه بطلاً أمام خيار الدفاع فقط, تلك الخطة أتت أٌكلها وتسببت بانهيار سريع في منظومات الدفاع العسكرية والأمنية والمدنية ومهدت لهروب القيادات العسكرية والأمنية من داخل إدلب إلى معسكر المسطومة (مقر القيادة العسكري الرئيسي), ولهروب القيادات المدنية إلى جسر الشغور, وأثناء هروبها ارتكبت عصابات النظام آخر ما استطاعت من إجرام بقتل كل سجناء فرع الأمن العسكري بإعدامهم ميدانياً في زنازينهم.

هذا الواقع أوجد حالة من الارتباك والفوضى والتشتت على قوات النظام ساهمت بسرعة التحرير وحقق نصراً أقل ما يقال عنه أنه نصراً استراتيجياً سيغير من المعادلات العسكرية على الأرض وسيكون له ارتدادات سياسية تقلب الأوضاع وتغير من كافة الموازين التي كانت تتحكم بالثورة السورية عربياً وإقليمياً ودولياً.

بهذا الانتصار يبقى على النظام أن يدرك بمسلمة استحالة وجوده على الأرض السورية ... ويبقى على الثوار أن يعلموا أنه عندما تتوحد الكلمة وتجتمع الصفوف فهي قادرة على أن تصنع المعجزات ... ومع تلك الحقائق يبقى أهالي إدلب يعيشون أفراحهم بتحرير إدلب الخضراء التي رفضت قدوم ربيعها إلا محملاً بربيع الحرية والانتصار.
مبارك لإدلب تحريرها، ومبارك للشعب السوري الحر باكورة تحريره لمدنه المغتصبة.التكتيك العسكري في تحرير إدلب: ما الذي ميّزه؟ وبماذا يختلف؟ 650_433_0142761123286207