في مدينة مثل حلب، حيث يصبح البقاء على قيد الحياة ترفاً وحظاً سعيدا لصاحبه فكيف الأمر اذا بالنسبة للطعام والغذاء الضروريان للاستمرار ؟!
ولا يخفى على أحد أن أسواق حلب تعيش حالة من لهيب الاسعار، حيث باتت تختلف من ساعة لأخرى. وخاصة اسعار السلع الغذائية المستوردة من معلبات وزيوت وأرز وغيرها، حتى طال ارتفاع الاسعار علبة الكبريت والشمعة، وكان لابد لهذه الأزمة الغذائية والاقتصادية أن تحدث انقلابا جذريا في مائدة الاسرة الحلبية المعروفة بتنوعها وتميزها على مستوى سورية والوطن العربي.
ماذا سأطبخ اليوم؟
أم تحسين ربة منزل تعيش في حي ميسلون بمدينة حلب تعتبر أن اطعام أسرة مؤلفة من 6 أشخاص بات أمرا يقلقها بشكل يومي.تتحدث أم تحسين قائلة:" صباح كل يوم ينتظرني سؤال غالبا ما ترهقني الاجابة عنه وسط ارتفاع الاسعار وهو: ماذا سأطبخ لعائلتي اليوم ؟
راتب زوجي الذي يعمل في حارس لمستودع للأدوية 25000 ليرة سورية وهو رقم زهيد جدا أمام المتطلبات اليومية التي طرأت على حياتنا.فبين اشتراك خط الامبير ومواصلات زوجي لعمله ومصاريف المدارس يطير نصف الراتب وفي هذه الحالة علي أن أطعم عائلتي طوال الشهر بمبلغ لا يتجاوز الـ 15000".
اما هذا الغلاء فحول سكان حلب المنكوبة إلى (نباتيين)، يعتمدون على الاطباق النباتية مثل البرغل بالبندورة والرشتاية المكونة من عدس ومعكرونة والمخلوطة المكونة من الارز والعدس الاحمر.وحتى هذه الاطباق لا تعتبر رخيصة مقارنة بمتوسط دخل الفرد في حلب،فوجبة من مجدرة البرغل مع السلطة لعائلة تتألف من 5 أشخاص تكلف 350 ليرة كحد أدنى.واذا كان متوسط دخل الفرد هو 20000 شهريا مخصوما منها نفقات الكهرباء والمواصلات والغاز وأشياء أخرى تصبح وجبة كانت بسيطة كالمجدرة عبئا يثقل موائد الحلبيين حاليا.بالاضافة لتحول اطباق المقبلات سابقا لوجبة أساسية للعائلة.وفي هذا الصدد تقول أم تحسين:
" أصبحت البطاطا المقلية وجبة أساسية ووحيدة على مائدتنا بعد أن كانت طبق جانبي أحضره الى جانب المأكولات الرئيسية".
كبة مشوية بالدهنة!
أما اللحوم فغابت بشكل كبير عن الموائد مع وصول سعر كيلو لحم الغنم 1400 ل.س .لكن أم محمد قررت كباقي الحلبيين ان تتحايل على الواقع أيضا لتلبية رغبة عائلتها بتناول الكبة المشوية.تحدثنا أم محمد عن ذلك قائلة:" ظلت عائلتي لفترة طويلة تشتهي الكبة المشوية ولأن الوضع المادي لن يسمح باعدادها على أصولها قررت أن أصنعها ولكن بطريقة مختلفة.حيث قمت بصنع اقراص من الكبة المحشية بالدهن المتبل بالبهار بدلا من اللحم ومن ثم قمت بشوائها على الفحم ".
تتابع أم محمد ضاحكة: " كانت تشبه الكبة الاصلية الى حد كبير ولكن النكهة مختلفة بالتأكيد.إلا أن عائلتي فرحت بها كثيرا وهذا ما كنت أسعى اليه تحقيق السعادة لعائلتي ".
أما هدى فتقول أنها تتقيد بالوجبات التي يمكن اعدادها من مكونات السلة الغذائية التي تستلمها شهريا من احدى الجمعيات الخيرية.وتشرح لنا قائلة: " انا اطبخ وفقا لمحتويات السلة الغذائية من أرز وبرغل وعدس ومعكرونة.صحيح أن هذه المواد تساعدني في تدبير اموري وتوفر علينا ولكني أضطر غالبا لتكرار الوجبة مرتين في الاسبوع لأني لا أملك خيارات أخرى.فأطبخ المجدرة والمعكرونة مثلا مرتين بالاسبوع وأتحاشى أن أحضر وجبة تضطرني لشراء اشياء من السوق لأن دخل زوجي بالكاد يكفي لأجرة البيت بعد أن اضطررنا للنزوح من بيتنا في حي سيف الدولة.بالمحصلة نحن أفضل حال من غيرنا وأحمد الله على هذه النعمة ".
تداعيات صحية تصيب الاطفال
لابد أن يكون لهذه الأزمة الغذائية التي طالت العائلات في مدينة حلب من آثار صحية ظهرت بشكل أكبر لدى الأطفال.
السيدة إلهام تشرح لنا كيف تراجعت صحة ولدها البالغ من العمر ست سنوات بسبب نقص الغذاء اللازم له في هذه المرحلة الأمر الذي أصابه بفقر دم شديد ونحول ببنيته بالاضافة الى تراجع قدراته الذهنية كالتركيز على المعلمة في المدرسة.وتضيف إلهام :
" تعرض ابني للاغماء اثناء الدوام المدرسي لأكثر من مرة وعندما اخذته للمستوصف أخبرني الطبيب بأنه يعاني من فقر دم حاد بسبب سوء التغذية.فنحن لا نأكل اللحم والفواكه منذ فترة طويلة بسبب ارتفاع اسعارها وهذا الاشياء ضرورية جدا لطفل في مرحلة النمو ".
ولدى سؤالنا لها عن كيفية معالجة هذه المشكلة أجابت: " اضطررت للاعتماد على الفيتامينات الدوائية لأنها الشيئ الوحيد في متناول يدي حاليا.فعلبة من الفيتامينات تحتوي على 20 حبة بسعر 300ل.س تكفي لعشرين يوم وهي أوفر من ثمن كيلو تفاح بـ150 ل.س أو موز ب 200 ل.س ولن يكفي أكثر من 3 أيام فقط على الغالب.بالاضافة الى ان الادوية هذه تحتوي على جملة كبيرة من الفيتامينات موجودة بالاغذية البروتينية التي ليس بمقدوري أن أؤمنها لطفلي حاليا ".
ووسط هذه الازمة الغذائية.وبالنظر لارتفاع نسبة البطالة في سوريا الى 57.7% بحسب تقرير صادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي وتفاقم مستويات الفقر حيث اصبح حوالي أربعة من كل خمسة سوريين فقراء،فيما يعيش ثلثا السكان تقريبا في حالة من الفقر المدقع ولا يستطيعون تأمين الحد الادنى من احتياجاتهن الغذائية،تطل علينا قنوات النظام بحملة (عيشها غير) التي تقدم تخفيضات على اسعار السلع في المؤسسات الاستهلاكية في الايام السبعة الاولى من كل شهر وهي تطنطن بشعارها الخلّبي: ( ورجع الخير لســـوريا ) !!!! .
ولا يخفى على أحد أن أسواق حلب تعيش حالة من لهيب الاسعار، حيث باتت تختلف من ساعة لأخرى. وخاصة اسعار السلع الغذائية المستوردة من معلبات وزيوت وأرز وغيرها، حتى طال ارتفاع الاسعار علبة الكبريت والشمعة، وكان لابد لهذه الأزمة الغذائية والاقتصادية أن تحدث انقلابا جذريا في مائدة الاسرة الحلبية المعروفة بتنوعها وتميزها على مستوى سورية والوطن العربي.
ماذا سأطبخ اليوم؟
أم تحسين ربة منزل تعيش في حي ميسلون بمدينة حلب تعتبر أن اطعام أسرة مؤلفة من 6 أشخاص بات أمرا يقلقها بشكل يومي.تتحدث أم تحسين قائلة:" صباح كل يوم ينتظرني سؤال غالبا ما ترهقني الاجابة عنه وسط ارتفاع الاسعار وهو: ماذا سأطبخ لعائلتي اليوم ؟
راتب زوجي الذي يعمل في حارس لمستودع للأدوية 25000 ليرة سورية وهو رقم زهيد جدا أمام المتطلبات اليومية التي طرأت على حياتنا.فبين اشتراك خط الامبير ومواصلات زوجي لعمله ومصاريف المدارس يطير نصف الراتب وفي هذه الحالة علي أن أطعم عائلتي طوال الشهر بمبلغ لا يتجاوز الـ 15000".
اما هذا الغلاء فحول سكان حلب المنكوبة إلى (نباتيين)، يعتمدون على الاطباق النباتية مثل البرغل بالبندورة والرشتاية المكونة من عدس ومعكرونة والمخلوطة المكونة من الارز والعدس الاحمر.وحتى هذه الاطباق لا تعتبر رخيصة مقارنة بمتوسط دخل الفرد في حلب،فوجبة من مجدرة البرغل مع السلطة لعائلة تتألف من 5 أشخاص تكلف 350 ليرة كحد أدنى.واذا كان متوسط دخل الفرد هو 20000 شهريا مخصوما منها نفقات الكهرباء والمواصلات والغاز وأشياء أخرى تصبح وجبة كانت بسيطة كالمجدرة عبئا يثقل موائد الحلبيين حاليا.بالاضافة لتحول اطباق المقبلات سابقا لوجبة أساسية للعائلة.وفي هذا الصدد تقول أم تحسين:
" أصبحت البطاطا المقلية وجبة أساسية ووحيدة على مائدتنا بعد أن كانت طبق جانبي أحضره الى جانب المأكولات الرئيسية".
كبة مشوية بالدهنة!
أما اللحوم فغابت بشكل كبير عن الموائد مع وصول سعر كيلو لحم الغنم 1400 ل.س .لكن أم محمد قررت كباقي الحلبيين ان تتحايل على الواقع أيضا لتلبية رغبة عائلتها بتناول الكبة المشوية.تحدثنا أم محمد عن ذلك قائلة:" ظلت عائلتي لفترة طويلة تشتهي الكبة المشوية ولأن الوضع المادي لن يسمح باعدادها على أصولها قررت أن أصنعها ولكن بطريقة مختلفة.حيث قمت بصنع اقراص من الكبة المحشية بالدهن المتبل بالبهار بدلا من اللحم ومن ثم قمت بشوائها على الفحم ".
تتابع أم محمد ضاحكة: " كانت تشبه الكبة الاصلية الى حد كبير ولكن النكهة مختلفة بالتأكيد.إلا أن عائلتي فرحت بها كثيرا وهذا ما كنت أسعى اليه تحقيق السعادة لعائلتي ".
أما هدى فتقول أنها تتقيد بالوجبات التي يمكن اعدادها من مكونات السلة الغذائية التي تستلمها شهريا من احدى الجمعيات الخيرية.وتشرح لنا قائلة: " انا اطبخ وفقا لمحتويات السلة الغذائية من أرز وبرغل وعدس ومعكرونة.صحيح أن هذه المواد تساعدني في تدبير اموري وتوفر علينا ولكني أضطر غالبا لتكرار الوجبة مرتين في الاسبوع لأني لا أملك خيارات أخرى.فأطبخ المجدرة والمعكرونة مثلا مرتين بالاسبوع وأتحاشى أن أحضر وجبة تضطرني لشراء اشياء من السوق لأن دخل زوجي بالكاد يكفي لأجرة البيت بعد أن اضطررنا للنزوح من بيتنا في حي سيف الدولة.بالمحصلة نحن أفضل حال من غيرنا وأحمد الله على هذه النعمة ".
تداعيات صحية تصيب الاطفال
لابد أن يكون لهذه الأزمة الغذائية التي طالت العائلات في مدينة حلب من آثار صحية ظهرت بشكل أكبر لدى الأطفال.
السيدة إلهام تشرح لنا كيف تراجعت صحة ولدها البالغ من العمر ست سنوات بسبب نقص الغذاء اللازم له في هذه المرحلة الأمر الذي أصابه بفقر دم شديد ونحول ببنيته بالاضافة الى تراجع قدراته الذهنية كالتركيز على المعلمة في المدرسة.وتضيف إلهام :
" تعرض ابني للاغماء اثناء الدوام المدرسي لأكثر من مرة وعندما اخذته للمستوصف أخبرني الطبيب بأنه يعاني من فقر دم حاد بسبب سوء التغذية.فنحن لا نأكل اللحم والفواكه منذ فترة طويلة بسبب ارتفاع اسعارها وهذا الاشياء ضرورية جدا لطفل في مرحلة النمو ".
ولدى سؤالنا لها عن كيفية معالجة هذه المشكلة أجابت: " اضطررت للاعتماد على الفيتامينات الدوائية لأنها الشيئ الوحيد في متناول يدي حاليا.فعلبة من الفيتامينات تحتوي على 20 حبة بسعر 300ل.س تكفي لعشرين يوم وهي أوفر من ثمن كيلو تفاح بـ150 ل.س أو موز ب 200 ل.س ولن يكفي أكثر من 3 أيام فقط على الغالب.بالاضافة الى ان الادوية هذه تحتوي على جملة كبيرة من الفيتامينات موجودة بالاغذية البروتينية التي ليس بمقدوري أن أؤمنها لطفلي حاليا ".
ووسط هذه الازمة الغذائية.وبالنظر لارتفاع نسبة البطالة في سوريا الى 57.7% بحسب تقرير صادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي وتفاقم مستويات الفقر حيث اصبح حوالي أربعة من كل خمسة سوريين فقراء،فيما يعيش ثلثا السكان تقريبا في حالة من الفقر المدقع ولا يستطيعون تأمين الحد الادنى من احتياجاتهن الغذائية،تطل علينا قنوات النظام بحملة (عيشها غير) التي تقدم تخفيضات على اسعار السلع في المؤسسات الاستهلاكية في الايام السبعة الاولى من كل شهر وهي تطنطن بشعارها الخلّبي: ( ورجع الخير لســـوريا ) !!!! .