تقاذفت الفلسطينيين أمواج اللجوء والحروب من بلد إلى آخر، فبعدما فروا من جحيم الموت على أيدي إسرائيل حطوا رحالهم في سوريا فباتوا الورقة التي يتاجر بها النظام السوري أمام شعبه، على أنه حامي المقاومة، ومع أن الأيام كانت كفيلة بكشف عورة النظام السوري وتوثيق جرائمه بحق الفلسطينيين إلا أن ذلك لم يمنع الأسد من المتاجرة بهذه القضية كونها ذات رمزية خاصة عند العرب.
يحكي التاريخ جرائم انتهكت بحق الفلسطيين في لبنان أثناء ما يطلق عليه حرب المخيمات والتي استمرت سنتان ونصف حيث اقتحمت قوات تابعة للنظام السوري مخيمات الفلسطينيين في لبنان كتل الزعتر ومخيم جسر الباشا ونهر البارد وصبرا وشاتيلا وعين الحلوة بالتعاون مع حركة أمل، ونكل النظام السوري أشد تنكيل بهذه المخيمات للقضاء على الفدائيين فيها فحوصرت هذه المخيمات بهدف القضاء على الوجود الفلسطيني في لبنان وتم تجويعها حتى صارت الناس تأكل لحم القطط والكلاب والجثث، ووصل عدد الضحايا إلى ثلاثة آلاف خلال شهر في تل الزعتر وحدها، وكل ذلك تم التستر عليه في كتب التاريخ التي نقرأها وإلحاق
الجرائم بالعدو الصهيوني متناسين أن له ذراعاً أمنية في سوريا وهي نظام الأسد.
اليوم يعاد نفس السيناريو في سوريا، فلم تمنع الثورة الأسد من التنكيل بالفلسطينيين هناك وحل بهم ما حلَّ بالسوريين لتعود إلى الواجهة حرب مخيمات أخرى أمام أعين الناس ولتكون خلفيتها بذات الدافع للحرب التي سبقتها "حماية المقاومة"!
حيث أصدرت مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا بالتعاون مع مركز العودة الفلسطيني تقريراً يتحدث عن الحالة المأساوية التي ألمّت بالفلسطينييون في سوريا، إذ نالت الحرب من 540 ألف لاجئً فلسطيني داخل سوريا، تعرض أغلبهم لتهجير متكرر ونزوح دائم من منطقة إلى أخرى، ووفقاً للأونروا فإن 270 ألف فلسطيني مهجر داخل سوريا، فيما غادر 80 ألفاً خارجها هرباً من المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من قبل قوات الأسد.
وباتت هذه المخيمات التي تقطنها طبقات متوسطة وفقيرة ساحات للمعارك وتصفية الحسابات وشارك بهذه الحرب فصائل فلسطينية مارست التشبيح بأبشع صوره إلى جانب نظام الأسد، منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل والقيادة العامة وجبهة النضال الفلسطيني وفتح الانتفاضة، وساهمت هذه الفصائل بتضييق الحصار على المخيمات وبمنع إدخال المساعدات الغذائية والطبية والتموينية إليها، ما جعل الوضع متأزماً هو تدمير أغلب منازل المدنيين بفعل القصف العشوائي حيث تعرض ألف 552 ألف منزل يمتلكها سوريون وفلسطينيون في المخيمات لأضرار شديدة، وبات الناس يقطنون المدارس والمرافق العامة، فيما ساهم الحصار بارتفاع عدد من يحتاجون للمساعدات من 420 ألفاً في 2013 إلى 440 ألفاً مع نهاية 2014.
مخيم اليرموك الساحة الأكبر للمأساة
وإلى جنوب دمشق حيث مخيم اليرموك التجمع الأكبر للفلسطينيينووجه الحرب الأكثر مأساوية والذي قدم مع نهاية 2014، 1100 شهيداً وحده، فلا زال أهله يعانون من ويلات الحصار والحرب التي يديرها الأسد داخله مستغلاً أوضاع الأهالي المزرية هناك، ومازاد في مأساته هي مشكلة قطع المياه عنه بفعل قطع خط الإمداد عنه فنتج عن ذلك انتشار عدد من الأمراض الأمر الذي هدد بكارثة إنسانية حقيقية هناك.
وعادت مشكلة الموت جوعاً إلى الواجهة حيث قضى 170 شهيداً وبات الناس يأكلون لحم القطط والكلاب هناك ليسدوا رمقهم، وبدأت معاناة أكثر من 25ألف مدني تكي حكايات الحصار.
ولا يأبه النظام من أن يمنع المحاصرين من الخروج من هذه المخيمات بل ويمعن في تضييق الخناق عليهم كما في مخيم السبينة الذي يعيش فيه ما يقارب 26487 لاجئاً ورزخ هو الآخر تحت حصار خانق وبات النظام يمارس سياسة الاعتقال العشوائي هناك سواء عند تسليم المساعدات الغذائية أو اعتقالهم أثناء النزوح من بلدانهم حتى وصل 21% من أهالي المخيم إلى لبنان، فيما دمر 80% منه بالكامل.
وفي مخيم الحسينية ثاني أكبر تجمع للفلسطينيين بعد اليرموك حيث يأوي المخيم 32533 لاجئاً وفق الأونروا، فللموت هناك أشكال متعددة قد تلتقطك قناصة أو تودي بحياتك رصاصة طائشة أو يمسح منطقتك صاروخ أرض أرض، ولا يغيب شبح الحصار عنه حيث قصف النظام السوري جميع الأفران فيه، وبات المرور على حاجز المؤتمرات أشبه برحلة موت، حيث تمشي النساء هناك مسافات طويلة حاملين على أكتافهم أطفالهم، عائدات بقليل مما يقيهم الجوع بعد أن تنهب حواجز النظام ما تشاء منها، مما يعيد إلى ذاكرتنا مشهد التغريبة الفلسطينية لكن العدو اليوم هو الأسد!
في حين يعاني مخيم جرمانا من حوادث استشهاد وموت مغايرة لنظيره من المخيمات، إذ اعتمد النظام سياسة السيارات المفخخة في المنطقة مما تسبب بحالة ذعر شديدة بين الأهالي هناك وعمدوا إلى النزوح إلى المناطق المجاورة، ساهم في ذلك انعدام فرص العمل بشكل كبير خاصة بعد توقف أصحاب الأعمال الحرة وهم غالبية سكان المخيم عن أعمالهم.
ولاتغيب معاناة المخميات في باقي مناطق سوريا عن مخيمات دمشق وريفها، كمخيم العائدين في حمص الذي قام النظام فيه بحملات اعتقال عشوائية تسببت بنزوح عدد كبير من شبابه إلى تركيا، فيما منع النظام من جهة أخرى إدخال المساعدات إليه.
وكذلك الأمر في مخيم العائدين في حماه، ومخيم درعا، ومخيم خان الدنون، ومخيم النيرب في حلب، ومخيم الرمل في اللاذقية الذي تعرض منذ أول خمس أشهر في الثورة إلى قصف بالبوارج الحربية.
ويتحدث وليد الطيار وهو ناشط في مخيم اليرموك عن أن النظام السوري ينتقم من الفلسطينيين الذين وقفوا بجانب إخوتهم السوريين في ثورتهم وجعلوا من مخيماتهم ملاذاً آمناً لهم كمخيم اليرموك وهذا ما لم يرق للنظام فقام بضرب المخيمات ليفاقم مأساة السوريين.
ويضيف وليد أن هذه الحرب المعلنة على المخيمات تهدف إلى تهجير الفلسطينين من سوريا وتصفية قضايا اللاجئين وهذا ما قد يكون نقطة غير معلنة مع أطراف دولية.
ويؤكد الطيار أن الأطراف الدولية المعنية بما فيها المنظمات الإنسانية لم تقم بأي تحرك يذكر لوقف المعاناة للفلسطينين رغم عشرات المناشدات التي وجهناها لهم، باستثناء الأونروا التي قامت بإدخال بعض المساعدات الشحيحة إلى المخيم، حتى الصليب الأحمر والذي طالبناه بفتح معبر إنساني لم يستجب لنا.
ويتحدث أبو مسلم الديراني ناشط في مخيم خان الشيح، أنه لم يبقَ من سكان المخيم سوى عشرة آلاف يعانون من أوضاع إنسانية مزرية حيث يطل المعبر الوحيد إلى المخيم على قناصين منتشرين على طول الطريق واستشهد على هذا الطريق وحده 12 شخصاً أثناء محاولاتهم نقل المواد الغذائية والمساعدات، ولم يسلم المخيم من البراميل المتفجرة ولا من حالات الاعتقال العشوائي حيث اعتقلت قوات النظام 230 عدا عن المخطوفين ومجهولي المصير.
رضوان شحادة، سميرة أحمد، منار غنيم، وسيم أبو زينة وغيرهم 354 معتقلاً هي أسماء لمعتقلين قضوا تحت التعذيب، ومورس عليهم من الانتهاكات ما مورس على السوريين فيما يقبع 819 معتقلاً في سجون النظام ويبقى مصير 271 شخصاً في عداد المفقودين وفق مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا.
كل هذه الأرقام والحقائق جعلت لدى الفلسطينين حلماً جديداً بالعودة وخلقت من مأساتهم تغريبة أخرى، تغريبة ممزوجة بالدم السوري، لكنها في الوقت ذاته أسقطت ورقة التوت عن نظام يقتل شعبين وليس شعباً واحداً ليبقى الوحيد على كرسيه المصنوع من بقايا جثث وعظام أبنائه.
يحكي التاريخ جرائم انتهكت بحق الفلسطيين في لبنان أثناء ما يطلق عليه حرب المخيمات والتي استمرت سنتان ونصف حيث اقتحمت قوات تابعة للنظام السوري مخيمات الفلسطينيين في لبنان كتل الزعتر ومخيم جسر الباشا ونهر البارد وصبرا وشاتيلا وعين الحلوة بالتعاون مع حركة أمل، ونكل النظام السوري أشد تنكيل بهذه المخيمات للقضاء على الفدائيين فيها فحوصرت هذه المخيمات بهدف القضاء على الوجود الفلسطيني في لبنان وتم تجويعها حتى صارت الناس تأكل لحم القطط والكلاب والجثث، ووصل عدد الضحايا إلى ثلاثة آلاف خلال شهر في تل الزعتر وحدها، وكل ذلك تم التستر عليه في كتب التاريخ التي نقرأها وإلحاق
الجرائم بالعدو الصهيوني متناسين أن له ذراعاً أمنية في سوريا وهي نظام الأسد.
اليوم يعاد نفس السيناريو في سوريا، فلم تمنع الثورة الأسد من التنكيل بالفلسطينيين هناك وحل بهم ما حلَّ بالسوريين لتعود إلى الواجهة حرب مخيمات أخرى أمام أعين الناس ولتكون خلفيتها بذات الدافع للحرب التي سبقتها "حماية المقاومة"!
حيث أصدرت مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا بالتعاون مع مركز العودة الفلسطيني تقريراً يتحدث عن الحالة المأساوية التي ألمّت بالفلسطينييون في سوريا، إذ نالت الحرب من 540 ألف لاجئً فلسطيني داخل سوريا، تعرض أغلبهم لتهجير متكرر ونزوح دائم من منطقة إلى أخرى، ووفقاً للأونروا فإن 270 ألف فلسطيني مهجر داخل سوريا، فيما غادر 80 ألفاً خارجها هرباً من المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من قبل قوات الأسد.
وباتت هذه المخيمات التي تقطنها طبقات متوسطة وفقيرة ساحات للمعارك وتصفية الحسابات وشارك بهذه الحرب فصائل فلسطينية مارست التشبيح بأبشع صوره إلى جانب نظام الأسد، منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل والقيادة العامة وجبهة النضال الفلسطيني وفتح الانتفاضة، وساهمت هذه الفصائل بتضييق الحصار على المخيمات وبمنع إدخال المساعدات الغذائية والطبية والتموينية إليها، ما جعل الوضع متأزماً هو تدمير أغلب منازل المدنيين بفعل القصف العشوائي حيث تعرض ألف 552 ألف منزل يمتلكها سوريون وفلسطينيون في المخيمات لأضرار شديدة، وبات الناس يقطنون المدارس والمرافق العامة، فيما ساهم الحصار بارتفاع عدد من يحتاجون للمساعدات من 420 ألفاً في 2013 إلى 440 ألفاً مع نهاية 2014.
مخيم اليرموك الساحة الأكبر للمأساة
وإلى جنوب دمشق حيث مخيم اليرموك التجمع الأكبر للفلسطينيينووجه الحرب الأكثر مأساوية والذي قدم مع نهاية 2014، 1100 شهيداً وحده، فلا زال أهله يعانون من ويلات الحصار والحرب التي يديرها الأسد داخله مستغلاً أوضاع الأهالي المزرية هناك، ومازاد في مأساته هي مشكلة قطع المياه عنه بفعل قطع خط الإمداد عنه فنتج عن ذلك انتشار عدد من الأمراض الأمر الذي هدد بكارثة إنسانية حقيقية هناك.
وعادت مشكلة الموت جوعاً إلى الواجهة حيث قضى 170 شهيداً وبات الناس يأكلون لحم القطط والكلاب هناك ليسدوا رمقهم، وبدأت معاناة أكثر من 25ألف مدني تكي حكايات الحصار.
ولا يأبه النظام من أن يمنع المحاصرين من الخروج من هذه المخيمات بل ويمعن في تضييق الخناق عليهم كما في مخيم السبينة الذي يعيش فيه ما يقارب 26487 لاجئاً ورزخ هو الآخر تحت حصار خانق وبات النظام يمارس سياسة الاعتقال العشوائي هناك سواء عند تسليم المساعدات الغذائية أو اعتقالهم أثناء النزوح من بلدانهم حتى وصل 21% من أهالي المخيم إلى لبنان، فيما دمر 80% منه بالكامل.
وفي مخيم الحسينية ثاني أكبر تجمع للفلسطينيين بعد اليرموك حيث يأوي المخيم 32533 لاجئاً وفق الأونروا، فللموت هناك أشكال متعددة قد تلتقطك قناصة أو تودي بحياتك رصاصة طائشة أو يمسح منطقتك صاروخ أرض أرض، ولا يغيب شبح الحصار عنه حيث قصف النظام السوري جميع الأفران فيه، وبات المرور على حاجز المؤتمرات أشبه برحلة موت، حيث تمشي النساء هناك مسافات طويلة حاملين على أكتافهم أطفالهم، عائدات بقليل مما يقيهم الجوع بعد أن تنهب حواجز النظام ما تشاء منها، مما يعيد إلى ذاكرتنا مشهد التغريبة الفلسطينية لكن العدو اليوم هو الأسد!
في حين يعاني مخيم جرمانا من حوادث استشهاد وموت مغايرة لنظيره من المخيمات، إذ اعتمد النظام سياسة السيارات المفخخة في المنطقة مما تسبب بحالة ذعر شديدة بين الأهالي هناك وعمدوا إلى النزوح إلى المناطق المجاورة، ساهم في ذلك انعدام فرص العمل بشكل كبير خاصة بعد توقف أصحاب الأعمال الحرة وهم غالبية سكان المخيم عن أعمالهم.
ولاتغيب معاناة المخميات في باقي مناطق سوريا عن مخيمات دمشق وريفها، كمخيم العائدين في حمص الذي قام النظام فيه بحملات اعتقال عشوائية تسببت بنزوح عدد كبير من شبابه إلى تركيا، فيما منع النظام من جهة أخرى إدخال المساعدات إليه.
وكذلك الأمر في مخيم العائدين في حماه، ومخيم درعا، ومخيم خان الدنون، ومخيم النيرب في حلب، ومخيم الرمل في اللاذقية الذي تعرض منذ أول خمس أشهر في الثورة إلى قصف بالبوارج الحربية.
ويتحدث وليد الطيار وهو ناشط في مخيم اليرموك عن أن النظام السوري ينتقم من الفلسطينيين الذين وقفوا بجانب إخوتهم السوريين في ثورتهم وجعلوا من مخيماتهم ملاذاً آمناً لهم كمخيم اليرموك وهذا ما لم يرق للنظام فقام بضرب المخيمات ليفاقم مأساة السوريين.
ويضيف وليد أن هذه الحرب المعلنة على المخيمات تهدف إلى تهجير الفلسطينين من سوريا وتصفية قضايا اللاجئين وهذا ما قد يكون نقطة غير معلنة مع أطراف دولية.
ويؤكد الطيار أن الأطراف الدولية المعنية بما فيها المنظمات الإنسانية لم تقم بأي تحرك يذكر لوقف المعاناة للفلسطينين رغم عشرات المناشدات التي وجهناها لهم، باستثناء الأونروا التي قامت بإدخال بعض المساعدات الشحيحة إلى المخيم، حتى الصليب الأحمر والذي طالبناه بفتح معبر إنساني لم يستجب لنا.
ويتحدث أبو مسلم الديراني ناشط في مخيم خان الشيح، أنه لم يبقَ من سكان المخيم سوى عشرة آلاف يعانون من أوضاع إنسانية مزرية حيث يطل المعبر الوحيد إلى المخيم على قناصين منتشرين على طول الطريق واستشهد على هذا الطريق وحده 12 شخصاً أثناء محاولاتهم نقل المواد الغذائية والمساعدات، ولم يسلم المخيم من البراميل المتفجرة ولا من حالات الاعتقال العشوائي حيث اعتقلت قوات النظام 230 عدا عن المخطوفين ومجهولي المصير.
رضوان شحادة، سميرة أحمد، منار غنيم، وسيم أبو زينة وغيرهم 354 معتقلاً هي أسماء لمعتقلين قضوا تحت التعذيب، ومورس عليهم من الانتهاكات ما مورس على السوريين فيما يقبع 819 معتقلاً في سجون النظام ويبقى مصير 271 شخصاً في عداد المفقودين وفق مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا.
كل هذه الأرقام والحقائق جعلت لدى الفلسطينين حلماً جديداً بالعودة وخلقت من مأساتهم تغريبة أخرى، تغريبة ممزوجة بالدم السوري، لكنها في الوقت ذاته أسقطت ورقة التوت عن نظام يقتل شعبين وليس شعباً واحداً ليبقى الوحيد على كرسيه المصنوع من بقايا جثث وعظام أبنائه.