منذ عدة أيام بدأت عدة صفحات ومواقع بنشر صور واضحة لوجوه الشهداء الذين قضوا تحت االتعذيب في معتقلات النظام، وكان العسكري المنشق "قيصر" قد نشر في بداية العام السابق (20 كانون الثاني 2014) 55000 صورة لـ 11000 شهيد قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري، ولكن صور المعتقلين لم توضح الوجوه مما منع السوريين من التعرف عليهم.

عذاب من نوع آخر
وما إن ظهرت هذه الصور حتى بدأ الأهالي بالتعرف على صور أبنائهم، وكان عذاباً من نوع جديد، حيث أن البعض كان ما يزال يحتفظ ببقية من أمل بأن ابنه مازال على قيد الحياة، وآخرين كانوا قد علموا عن استشهاد أبنائهم من أصدقائهم في المعتقلات الذين خرجوا، لكن دون فرصة توديع الشهيد ودفنه بما يليق بحب أهله له، وجاءت الصور القاسية لتقدم فصلاً جديداً من قتامة الحقد الذي يكنه بشار الأسد وداعميه الإيرانيين للشعب السوري.

تتوالى الأرقام من كل مكان في سورية، فالقاتل لم يوفر مدينة ولا قرية. في مدينة درعا لوحدها تعرف الأهالي حتى الآن على 55 شهيداً قضوا تحت التعذيب، وفي دمشق تأتي الأرقام من المدينة وريفها بحيث يصعب حصرها.

في الزبداني وصل العدد حتى الآن لأكثر من 30 شهيداً، ودمر 18 شهيداً، قطنا 9 شهداء، وتأتي داريا كأكثر المدن التي تم التعرف فيها على صور الشهداء، حيث قال "المركز الاعلامي لمدينة داريا" أن عدد شهداء المدينة الذين تم التعرف على صورهم حتى الآن بلغ 53 شهيداً، ونشر موقع المركز الاعلامي على الانترنت صوراً للشهداء تظهر حالتهم قبل الاعتقال وصورهم الحالية بعد تعرضهم للتعذيب والتجويع على يد زبانية النظام.

بكتهم جميعا كأنهم ابنها
التعرف على الصور ليس سهلاً يصف "أنا السوري" حال أمه حين علمت عن وجود هذه الصور وهي تطالبه برؤيتها "حاولت أن أقنعها بأنها محض اشاعة، لكنها لم تصدق وبدأت بالبكاء، قلت لها أني فحصتهم جميعاً ولا وجود لصورة اخي فارتاح وجهها قليلاً لكنها أصرت أنها تريد رؤية جميع الصور".

لن يحتمل الابن دموع أمه ورجائها، وهو الذي فحص الصور أكثر من مرة وقارن بينها وبين صورة اخيه كان قد اشتبه في عشر منها.

رفضت الأم أن ترى الصور التي اشتبه بها ابنها فقط، بل أصرت انها تريد رؤيتها جميعاً، وحين بدأت الصور كانت تتوقف عند كل صورة "تدعو لصاحبها بالرحمة، وتتحسر على أمه وأهله، وتدعو لهم الله أن يشد من ازرهم ويقويهم" كان المنظر غريباً وقاسياً خفت عليها لا سيما أن دموعي غطت وجهي فكيف بها هي.

كان ابنها قد اختفى منذ نيسان 2012 ليعلم أهله لاحقاً من أصدقائه أنه قد تم اعتقاله على احد الحواجز "بالرغم من أنه لطالما مر من هناك ولم يتم ايقافه" ومن هنا بدأت رحلة العذاب حاولت الاسرة ان تعرف أي معلومات عن ابنها فدفعت الأموال ولم يترك الأب فرعاً أمنياَ دون أن يطرق بابه. وتحولت الأسرة للعبة بيد النظام وعناصره فبدأت بعض المكالمات الهاتفية التي تحمل اخباراً متناقضة بعضها يقول أنه حي يرزق وبعضها يقول أنه استشهد أو أنه قد تم اطلاق سراحه لكنه التحق بصفوف "الحر"، لسبب لا يمكن فهمه كان عناصر النظام ومخابراته يستمتعون بهذه اللعبة وعلى ما يبدو كانوا ينوون الاستمرار بها لولا أن ظهر أحد أصدقاء الابن وأخبر أهله أين هو وعن حالته "يا خالتي كل شي بحسن أحكيلك انو طيب وادعيلو خالتي" لتتخذ العائلة مكرهة قراراً بالتوقف التام عن السؤال وعدم التجاوب مع المكالمات التي تدعي أنها تحمل اخبارا عن ابنها "وقال أبي أنه قد فوض أمره لله" هكذا وبعد أكثر من عامين من الانتظار قاست خلالهما العائلة كل أنواع العذاب هاهي تجلس أمام شاشة الكومبيوتر يتفحصون وجوهاً فيلمحون في كل منها خيالاً ما لابنهم.

ستجد الأم صورة ابنها ستتوقف عندها كثيراً تمسح الوجه تتأمله تسمي كل تفصيل فيه وتبكيه وتتمنى لو انها قادرة على حضنه وشم رائحته، وحين تهدأ قليلاً تقول انها تريد رؤية بقية الصور كلها "بدي شوفون كلون واترحم عليهون كلون ولادي".

ليست مجرد صور
حين نشر "قيصر" الصور المسربة من معتقلات النظام، وبالرغم من بشاعتها، اعتقدها الكثيرون مجرد فصل آخر من كوابيس النظام السوري الشيطانية. وفي غمرة التنديد وعدم التصديق، الذي أصبح روتينياً بعد كل مجزرة يقوم بها النظام، غاب عن الجميع مئات الآلاف من الأمهات السوريات اللواتي، بعكس العالم أجمع، كانت هذه الصور بالنسبة لهن من لحم ودم وذكريات والكثير الكثير من الحب والبكاء.

كل صورة تحمل للأم احتمال أن يكون ابنها الذي خطفه النظام، والذي لا تعرف عنه شيئاً. لم يهتممن بأسماء المعتقلين، بقدر ما اهتموا بتخيل ما عانوه حتى كانت نهايتهم بهذه الطريقة الرهيبة، فبكين كل صورة وكأنها لابنهن.فقدوهم أحياء وتعرفوا على صورهم شهداء:عندما يستشهد السوري مرتين! 650_433_0142657448485904