نعيش في مجتمع تسوده المجاعة العاطفية حيث يتسم مجتمعنا بالغلاظة في التعامل واللغة الجافة ولامبالاة مشاعر الغير وعدم تقدير لاحتياجاتهم العاطفية والنفسية بدءاً من بيئة الاسرة امتداداً إلى بيئة المجتمع الذي نعيشه. وهذه السمات لا يستنكرها احد.! حيث نرى بيننا أن الكبير والمراهق والصغير يعاني فراغ عاطفي أو جفاف عاطفي..! ترى من يبادر ومن المقصر ولمَ هذه المجاعة العاطفية الجماعية ؟؟

السماء لا تمطر حباً وحناناً ودفءً لتشبع الأرواح الظمآنة والقلوب المتصحرة.. بل تمطر ماءً تنبت به الزرع لنشبع جسدياً فحسب..!
يولد الطفل في مجتمعنا فيهيئ له حياة كريمة من مسكن ومشرب ومأكل ويحقق له الإشباع الجسدي .. أما إشباعه عاطفياً وما تحتاجه من مشاعر إنسانية كاحتوائه وإشباعه حباً وحناناً وفهم تفكيره وحاجاته ومخاطبته بلغة حنونة مهذبة لا يزال لا يذكر له أهمية بالغة في مسألة التربية عند الوالدين أو المربين إلا من رحم ربي وخاصة أننا نعيش في زمن أصبح الصغير والكبير على وعي كامل بحقوقهم

بهذا فإن الإهمال بالصحة العاطفية للطفل والمراهق يعكس سلبياً في تكوين شخصيته حيث يظل مفتقراً إلى فهم عواطفه وتحديد احتياجاته وبالتالي عدم القدرة على تكوين شخصية متزنة ليجعل منه إنساناً سوياً ناضج صاحب ضمير يقظ يعمل ويعطي وينتج في مجتمعه مستثمراً مواهبه وقدراته وإمكانياته.
لذا فعند مرحلة بلوغ – الفتاة والولد - نجده متعطشاً لذلك الاحتواء والحب والحنان والتفاهم والكلمات المهذبة الرقيقة التي تشعره بكيانه وذاته وتنمي ثقته بنفسه .. فيبدأ يطرق قلوب خارج بيته باحثاُ عن حاجته بطرق غير مشروعة ، وإن لم يجد ضآلته أو إن لم يتحقق له الإشباع العاطفي يبقى مضطرباً عنيفاً وربما عدوانياً مع نفسه وغيره.
كما أن الاجواء الأسرية في هذا المجتمع تفتقر كثيراً إلى أبسط الأشياء ألا وهي اللغة الحنونة عند الحديث فيما بينهم .! فنحن مجتمع يفكر أن الحب لا يمنح إلا للحبيب ، وأن عبارات المديح والإطراء لا يسمع إلا للحبيب ، وأن الاهتمام لا يحظى به إلا الحبيب .. فيعيش الأخوان والأخوات ، والأم مع أبناءها والأب مع ابناءه ، وربما الزوج مع زوجته غربة فيما بينهم ليس بينهم رابط روحي مكلل بالحب والاحترام والتقدير .!
ماذا نخسر لو تبنينا فكرة أن نحب أنفسنا ونحب أسرتنا ونحب المجتمع الذي نعيش فيه ونتعلم فيه ونغدق عليهم بجميل الكلمات .. فنشكرهم بحب إن أدوا واجباتهم ، ونعتذر بحب إن أخطاءنا بحقهم ، ونعبر عن فرحتنا لفرحتهم وحزننا لحزنهم ..!
ترى متى نرتقي بتعاملنا ؟ متى نرتقي بأحاسيسنا ؟ متى نرتقي بأفكارنا ؟ متى نرتقي بألفاظنا ؟
فتلك كلها الحضارة الحقيقة لأن حضارة الأمة في احترام انسانية أفرادها بغض النظر عن كل الفروقات الاجتماعية والمذهبية .. وحسبنا بتاريخ العهد النبوي استشهادا ..
ختاماً احبتي ..
إن فهمنا واستوعبنا لهذه المشكلة قد تدفعنا الى فهم ذواتنا وتحديد احتياجاتنا أكثر وبالتالي محاولة اشباع حاجاتنا تلك بحكمة ونضج أكثر ..
يبقى على عاتق الوالدين والمربين أولاً وأخيراً مسؤولية الصحة العاطفية لكل الأطفال والمراهقين.
لا ننتظر إذن من الآخرين أو من مجتمع هزيل عاطفياً أن يبادروا بالاهتمام والحنان والتقدير .. بل لنتميز ونتألق نحن بعاطفة آسره ونحترم ونقدر ذواتنا ونحبها ثم نكون ينبوع الحب والحنان لأفراد اسرتنا ومجتمعنا.. وما اجمل ان نكون سبباً في تغيير حياة شخص بكلمات حنونة نرددها عليه أو ان نمتهن الإصغاء لبوح الآخرين وإن كان ليس مثيراً بالنسبة لنا او الاهتمام بأراوح ذابلة وقلوب منكسرة لتستعيد رونقتها.. منتهجاً في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (احب الاعمال الى الله سرور تدخله على مسلم) وقوله ( الكلمة الطيبة صدقة )
فمن الاحترام والاهتمام يولد الحب .. أكسجين الحياة..
وحين يولد ينبض القلب بالحب يعم السلام الروحي وترفرف الأرواح سعادة وكل متاعب الحياة تتقلص وتهون بإذن الله.!