الدموع، يا الله ما أغلى الدموع، وما أشقاها، وما أمرها، وما أعصاها.
الدموع هي التفجّر الكوني الصغير في شكله، والكبير في معناه، ومن لا يتفجّر
هو كائن خامد، ومن يتفجّر هو الذي يعلن بلاغة الاحتجاج والغضب ورفع قبضة
اليد في وجه العذاب المفهوم وغير المفهوم، والظلام والظلم المرئي وغير
المرئي..
إن من يبكي إنما هو يتكلم بدون كلمات، بل إن تعبيره أبلغ من كل المعلقات
العشر، وكل ما جادت به قريحة الإنسان شعراً وفناً وإبداعاً.. إن البكاء هو
الإدانة القصوى من الإنسان ضد عجزه، ومرضه، وموته، وفقد أحبابه.. يا ليتني
أبكي، أبكي، أبكي، وتكون الأرض لي مهاداً، والبحر مداداً، والنيازك التي
تملأ سماء الله شامات ترصع صدري، وليس بيني وبين الحزن (العميق الناصع)
حجاب.
إن هذا القاسم المشترك بين البشر، الذي اسمه (البكاء)، إنما هو المفتاح
الذي ليس له قفل، والقفل الذي ليس له مفتاح، الدمع هو أداة التعبير العادلة
التي لا يستطيع أن يحجبها أي إنسان عن أحد، إنها تملأ عين السلطان، وتنسكب
من عين الصعلوك، ولو أن البشرية قد جمعت كل أدمعها الغزيرة التي تقاطرت
عبر تاريخها الطويل الدامي، لجعلت من أديم الأرض أخاديد وانهارا.
صحيح أن البكاء يختلف عن بعضه البعض، ولكن محصلته النهائية هي الدموع، وها
هو (هتلر) الذي ملأ الدنيا خراباً وموتاً وعذاباً، يقول لأقرب أقربائه
عندما كانت قوات الحلفاء تحاصر برلين من كل الجهات: إنني ابكي لأنني أحس أن
ألمانيا سوف تستسلم وتنتهي، وهو إحساس لم ينتبني طوال حياتي، إلاّ مرة
واحدة، وذلك عندما مات ابى.
إنني في موضوعي اليوم لا أريد أن أزيد من مآسيكم أسى، ولا من أحزانكم
حزناً، ففي نفس كل إنسان ما يكفي ويزيد من الأحلام المقتولة، والموؤودة
والضائعة التي تستأهل البكاء فعلاً، ولكن ماذا نستطيع أن نفعل جميعاً إذا
كانت هذه هي الحياة.
يا ليتني بجرة قلم، أو بإشارة إصبع أستطيع أن اجبر الكسر، وأسند العثرة،
وألئم الجرح، وأكون (زغرودة فرح) من مهد الإنسان إلى لحده، يا ليتني ذلك
الكائن الأسطوري الذي (يشفي العليل)، ولكن كلمة (ليت) هي الكلمة الشاذة
الدخيلة والوحيدة على قاموس الواقع الحياتي لبني البشر، رغم أنها للأسف تظل
هي الكلمة الأكثر تداولاً في كل يوم وساعة ودقيقة.
ارجو ان لا اكون تسببت في اي لحظة حزن لاى احد من اعضاء هذا المنتدى الغالى
الذى اعتبرهم الصدر الذى القى عليه همومى و اشعر بالراحة بينهم .. ارجو ان
تعذروني فيما نقلته لكم ..