إرواء الظمآن بما ورد في ليلة النصف من شعبان
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي ؛ هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سأله أسامة بن زيد –رضي الله عنهما-قائلاً: يا رسول الله! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال –صلى الله عليه وسلم-: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)).
"رواه أحمد(5/201) والنسائي(4/201) وابن خزيمة في صحيحه والضياء في المختارة وغيرهم وسنده حسن، صححه ابن خزيمة وحسنه الضياء،والمنذري والألباني وغيرهم".
فهذا الحديث يدل على فضيلة شهر شعبان وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصومه أو يصوم أكثره.
وقد دل على ذلك حديث عائشة –رضي الله عنها-.
فقد روى البخاري(2/695رقم1868-البغا) ومسلم(2/810رقم1156) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان)).
وفي لفظ آخر عنها –رضي الله عنه- قالت: ((كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا)).
وقد رويت أحاديث متعددة في أمور تتعلق بشهر شعبان وهي على أنواع كما يلي:
1- أحاديث في فضل صيام الشهر مطلقاً.
2- أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان ويومها وهي على أنواع:
أ- أحاديث في النزول الإلهي ليلة النصف ومغفرة الله لخلقه باستثناء المشرك والمشاحن وفي أحاديث استثنت العاق وقاطع الرحم والزانية.
بَ- أحاديث في فضل قيام ليلة النصف وبعض الصلوات المخصوصة، وبعض الأدعيه المروية عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة وأن الدعاء فيها لا يُرَدّ.
جَـ- أحاديث في فضل صيام يوم النصف على الخصوص.
دَ- أحاديث في أن الأعمال ترفع ليلة النصف وفيها تقسم الأرزاق وتقطع الآجال.
3- أحاديث في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.
4- أحاديث في النهي عن الصوم بعد انتصاف شهر رمضان.
5- أحاديث في النهي عن صيام الشك وأحاديث وصل شعبان برمضان وحديث سرر شعبان.
ونظراً لاقتراب ليلة النصف من شعبان ومشارفتها قدمت بهذه المقدمة وضمنتها خلاصة ما سبق ذكره من أنواع الأحاديث.
وهذه هي الخلاصة:
الباب الأول
الأحاديث الواردة في فضل صيام الشهر مطلقاً.
وقد سبق ذكر حديثين في ذلك وهما حديث أسامة وحديث عائشة –رضي الله عنهما-.
الباب الثاني
أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان ويومها.
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول:
الأحاديث الواردة في النُزول الإلهي ليلة النصف ومغفرة الله لخلقه
إلا من استثني
فقد ورد حيث النزول الإلهي عن جماعة من الصحابة وعن جماعة من التابعين مرسلاً ومن قول جماعة منهم.
فقد روي مرفوعاً من حديث: أبي بكر الصديق، وعلي، وعبد الله بن عمرو، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وأبي ثعلبة الخشني، وأبي موسى الأشعري، وأبي بن كعب، وعوف بن مالك، وأبي أمامة الباهلي،وعثمان بن أبي العاص، ويزيد بن جارية اليربوعي، وأم المؤمنين عائشة –رضي الله عنهم-.
وروى مرسلاً من طريق جماعة من التابعين وهم: كثير بن مرة الحضرمي "تابعي كبير مخضرم أدرك سبعين بدرياً وسمع معاذ بن جبل –رضي الله عنه- وعده بعضهم في الصحابة ولا يصح"، مكحول الشامي،راشد بن سعد، عطاء بن يسار ويحيى بن أبي كثير الطائي.
وروي مرسلا من طريق الوضين بن عطاء وهو من أتباع التابعين.
وروي موقوفاً على بعض التابعين منهم: كثير بن مرة الحضرمي، ومكحول، وأبو إدريس الخولاني، الفضيل بن فضالة الهوزني.
ومن ألفاظ ما ورد في ذلك:
حديث معاذ –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)).
حديث عائشة –رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب)).
حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: ((يطلع الله عز وجل إلى خلقة ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده الا لاثنين مشاحن وقاتل نفس)).
هذه نماذج من الأحاديث المسندة مما ورد فيما يتعلق بهذا الباب. وقد تضمنت عدة أمور:
الأمر الأول: نزول الرب جل وعلا ليلة النصف من شعبان.
الأمر الثاني: تحديد النزول في بعض الأحاديث من بداية الليل.
الأمر الثالث: مغفرة الله لخلقة سوى المشرك والمخاصم (المشاحن) والعاق وقاطع الرحم والزانية وقاتل النفس.
أما الأمر الأول: فهذا ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)).
وليلة النصف من شعبان داخلة فيه بلا شك.
إضافة إلى أن مجموع ما ورد في الباب يدل على ثبوت هذا اللفظ "أعني جملة -: ((إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا))" عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي تفصيله –إن شاء الله تعالى-.
أما الأمر الثاني: وهو تحديد نزول الرب جل وعلا بغروب الشمس (أول الليل) فلم يصح ذلك عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بل الحديث الوارد في ذلك ضعيف جداً أو موضوع كما يأتي بيانه –إن شاء الله تعالى-.
أما الأمر الثالث: وهو مغفرة الله لخلقه إلا من استثني فمجموع الروايات الصالحة للاستشهاد تثبت أن المغفرة واقعة في تلك الليلة لجميع الخلق إلا من استثني.
فيبقى النظر في الاستثناء:
# فقد استثني: المشرك وهذا قد دل عليه الكتاب والسنة كقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}، وكذلك مجموع الروايات الواردة في هذا الباب تثبت أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- نطق باستثناء المشرك من هذه المغفرة العامة.
#واستثني: المشاحن وهذا أيضاً ثابت بمجموع ما ورد في هذا الحديث، ويشهد له حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- في صحيح مسلم(4/1987) عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((تعرض الأعمال في كل يوم خميس وإثنين، فيغفر الله -عز وجل- في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا)).
اركوا: أي: أخروا وليست اللفظة: (اتركوا) –بالتاء- فتنبه.
# واستثني: العاق وقاطع الرحم ولا يظهر لي ثبوت هذا الاستثناء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث ولكنه داخل تحت قوله –صلى الله عليه وسلم-: ((أو مشاحن)).
ومن أعظم مشاحنة ومصارمة من العاق لوالديه وقاطع الرحم ؟!!
# واستثني: قاتل النفس ويظهر لي ثبوت هذا اللفظ عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-.
# واستثني: الزانية، ويظهر لي ثبوت هذا اللفظ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
والخلاصة: ثبوت استثناء أربعة: (المشرك، والمشاحن، وقاتل النفس، والزانية)).
ويظهر لي أن المراد بقاتل النفس الذي لم يتب.
الفصل الثاني:
الأحاديث الواردة في فضل قيام ليلة النصف وبعض الصلوات المخصوصة، وبعض الأدعيه المروية عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة.
والخلاصة: أنه لا يصح من ذلك شيء بل كلها أحاديث واهية.
فلا يجوز تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام لما تقرر من تحريم الإحداث في الدين والابتداع فيه.
ولكن من كان عادته قيام الليل دائماً أو متقطعاً فيستحب له إحياء تلك الليلة لإدراك فضيلتها.
الفصل الثالث:
الأحاديث الواردة في فضل صيام يوم النصف على الخصوص.
والخلاصة: أنه لا يصح من ذلك شيء بل كلها أحاديث واهية.
فلا يجوز تخصيص يوم النصف بصيام كما أنه لا يجوز تخصيص ليلتها بقيام.
أما من أحب أن يصوم من شعبان تأسياً بالرسول –صلى الله عليه وسلم وكان من ضمنه يوم النصف كان هذا حسناً.
وكذلك يوم النصف هو آخر الأيام البيض فمن صامها دخل فيها يوم النصف أضف إلى ذلك إذا وافق يوم النصف يوم الخميس أو الإثنين.
ولكن هذا غير متحقق هذا العام فيوم النصف هو يوم الأربعاء إلا على من يرى أن شهر شعبان بدأ يوم الخميس فيكون يوم النصف يوافق يوم الخميس والله أعلم.
الفصل الرابع:
الأحاديث الواردة في أن الأعمال ترفع ليلة النصف وفيها تقسم الأرزاق وتقطع الآجال.
والخلاصة: أنه لا يصح من ذلك شيء بل كلها أحاديث واهية.
الباب الثالث:
الأحاديث الواردة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.
وقد وردت في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)).
والخلاصة في هذا ما قاله الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في فتح الباري(4/128): "أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف…
قال العلماء: معنى الحديث: لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان.
قال الترمذي لما أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ا.هـ".
الباب الرابع
ما ورد في النهي عن الصوم بعد انتصاف شهر رمضان.
وهو حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))
وقد اختلف العلماء في تصحيحه ومن ثم في معناه والعمل به.
والخلاصة: ما قاله الترمذي –رحمه الله-: "باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطراً فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان".
وسيأتي تفصيل ذلك –إن شاء الله تعالى-.
الباب الخامس:
الأحاديث الواردة في النهي عن صيام الشك وأحاديث وصل شعبان برمضان وحديث سرر شعبان.
من ذلك ما قاله عمار بن ياسر –رضي الله عنهما- (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-).
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال له أو لآخر: ((أصمت من سَرَر شعبان ؟)) قال: لا.
قال: ((فإذا أفطرت فصم يومين)). متفق عليه.
ونحوها من الأحاديث وسيأتي تفصيلها –إن شاء الله تعالى-.
والخلاصة: ما قاله ابن رجب –رحمه الله-.
قال –رحمه الله- في لطائف المعارف(ص/151): " صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطاً لرمضان فهذا منهي عنه وقد فعله بعض الصحابة، وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه.
والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور، ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر مطلقاً.
والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر منهم: الحسن وإن وافق صوماً كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه.
وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أولاً، وكذلك يفرق بين من تقدم صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضاً إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان".
هذا والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه، ويوفقني لإتمام هذا البحث في القريب العاجل على أكمل وجه.
وفي الختام أذكر بأن جماعة من العلماء قد كتبوا كتباً حول شعبان وليلة النصف منه .
من تلك الكتب:
1/ تحلية الشبعان في ما روي في ليلة النصف من شعبان للشيخ شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي.
2/ جزء:" ليلة النصف من شعبان وما ورد في فضلها" لابن الدبيثي تحقيق عمرو عبد المنعم سليم.
3/ كتاب: "ما جاء في شهر شعبان" لأبي الخطاب ابن دحية.
4/ كتاب: "إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان" للشيخ حماد الأنصاري –رحمه الله-.
5/ تخريج الشيخ الألباني لهذا الحديث في السلسلة الصحيحة(3/135رقم1144).
والله الموفق لا رب سواه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي
تخريج حديث ((ليلة النصف من شعبان)).
أولاً: حديث أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-
تخريجه:
رواه عثمان الدارمي في الرد على الجهمية(ص/81رقم136) والبزار في مسنده(1/206رقم80) وابن أبي عاصم في السنة(1/354رقم521) وابن عدي في الكامل(5/ 309) والفاكهي في أخبار مكة(3/85رقم1838) والعقيلي في الضعفاء(3/29) وابن خزيمة في التوحيد(1/325-327رقم200) والمروزي في مسند أبي بكر(ص/171رقم104) والدارقطني في كتاب النزول(ص/155-157رقم75،76) وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان(1/426-العلمية) وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان(2/149) واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة(3/438رقم750) وابن بطة في الإبانة(3/222-224رقم173) والديلمي في مسند الفردوس(5/254رقم8107) وابن زنجويه-كما في جمع الجوامع1/1017) والشجري في الأمالي(2/107-108) والبيهقي في شعب الإيمان(3/381رقم2828) والبغوي في شرح السنة(4/127رقم993) وفي التفسير(4/148) وابن الجوزي في العلل المتناهية(2/557رقم916) وابن الدبيثي في جزئه"ليلة النصف من شعبان وفضلها"(ص/111-114رقم1) وابن حجر في الأمالي المطلقة(ص/122) من طرق عن عبدالله بن وهب قال نا عمرو بن الحارث حدثني عبدالملك بن عبدالملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عن أبي بكر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان ينْزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه)).
ورواه عن عبد الله بن وهب: أحمد بن صالح المصري، أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، سعيد بن منصور، عيسى بن يونس ، الأصبغ بن الفرج المصري، أحمد بن عيسى المصري، عمرو بن مالك، يونس بن عبد الأعلى،يعقوب بن حميد بن كاسب.
ووقع في رواية ابن عدي والفاكهي: عن أبيه أو غيره.
ووقع عند الدارمي: مصعب بن أبي الحارث.
وقد اختلف على يعقوب بن حميد بن كاسب فيه فرواه عنه جماعة من الحفاظ كما سبق.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/381رقم3828) من طريق جعفر بن أحمد الحافظ حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب نا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك بن عبد الملك وهو من ولد ابن حميد عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عمه عن جده أبي بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره ؛ غير أنه قال: ((لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء أو مشرك بالله)).
فذكر: "عن عمه" ولم يشك.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/380رقم3827) من طريق خالد بن خراش وأصبغ بن الفرج قالا نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك بن عبد الملك أن مصعب بن أبي ذئب حدثه عن القاسم بن محمد بن ابي بكر عن أبيه عن عمه عن جده –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((ينْزل الله إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل شيء إلا رجل مشرك أو رجل في قلبه شحناء)).
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/381رقم3829) من طريق سعيد بن عثمان الأهوازي نا احمد بن عيسى المصري نا عبد الله بن وهب بإسناده غير أنه قال عن أبيه وعمه عن أبي بكر الصديق، وقال: ((فيغفر لكل مؤمن إلا العاق أو المشاحن)).
الحكم عليه:
إسناده ضعيف جداً فيه أربع علل:
العلة الأولى: عبد الملك بن عبد الملك الفهري: قال البخاري: فيه نظر.
وقال –مرة-: في حديثه نظر، يعني هذا الحديث كما بينه العقيلي والذهبي وابن حجر.
وقال ابن حبان في المجروحين(2/136): منكر الحديث جداً يروي مالا يتابع عليه فالأولى في أمره ترك ما انفرد به من الأخبار.
وقال البزار: ليس بمعروف. ونحوه قول أبي حاتم الرازي: مصعب بن أبى ذئب روى عن القاسم بن محمد روى عنه عبد الملك بن أبي ذئب …لا يعرف منهم الا القاسم بن محمد.
وقال الدارقطني: متروك
قال ابن عدي: وعبد الملك بن عبد الملك معروف بهذا الحديث ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث وهو حديث منكر بهذا الإسناد.
"رَ: لسان الميزان(4/462-مرعشلي) سؤالات البرقاني(ص/45)".
العلة الثانية: مصعب بن أبي ذئب: قال أبو حاتم: لا يعرف.
وذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في توثيق المجاهيل ممن لم يقف لهم على مناكير في روايتهم تكون العهدة عليهم فيها.
العلة الثالثة: الاختلاف في شيخ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-.
فروي عنه عن أبيه أو عمه عن جده.
وروي عنه عن أبيه أو غيره عن جده.
وروي عنه عن أبيه عن عمه عن جده.
وروي عنه عن أبيه وعمه عن جده.
وهذا الاختلاف يدل على عدم ضبط الحديث وسببه كما هو ظاهر عبد الملك ومصعب.
العلة الرابعة: الانقطاع والجهالة.
فالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق لم يسمع من أبيه وأبوه محمد بن أبي بكر الصديق لم يسمع من أبيه الصديق.
هذا على رواية القاسم بن محمد عن أبيه عن جده.
أما على رواية القاسم عن أبيه عن عمه عن جده. فمنقطع بين القاسم وأبيه فقط.
وأما على رواية القاسم عن أبيه أو عمه عن جده ففيه احتمال انقطاع وهو شك يغلب فيه جانب الانقطاع.
وأما على رواية القاسم عن أبيه أوغيره عن جده ففيه الانقطاع وجهالة هذا الغير.
وأما على رواية القاسم عن أبيه وعمه فسالمة من الانقطاع والجهالة ولكن تبقى العلل الثلاثة الأولى.
وأما رواية القاسم عن عمه عن جده بلا شك ففيها علة أخرى وهي: يعقوب بن حميد بن كاسب فقد جاءت من طريق وفيه ضعف وقد اختلف عليه:
فرواه عنه جماعة من الحفاظ: "عن أبيه أو عمه – على الشك-" ورواه الحافظ جعفر بن أحمد: "عن عمه " بلا شك وهذا الاختلاف لعله من يعقوب هذا والله أعلم.
أقوال العلماء في هذا الطريق:
قال البخاري –رحمه الله-: في حديثه نظر. وأقره العقيلي والذهبي.
وقال العقيلي: "وفى النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله".
قال البزار-رحمه الله-: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه وقد روي عن غير أبي بكر وأعلى من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وإن كان في إسناده شيء فجلالة أبي بكر تحسنه! وعبدالملك بن عبدالملك ليس بمعروف وقد روى هذا الحديث أهل العلم ونقلوه واحتملوه فذكرناه لذلك.".
يقول أبو عمر: وهذا من البزار غريب جداً! فما علاقة جلالة الصحابي بصحة سنده وحسنه ؟!
وهذا مما حدا بالهيثمي أن يقول عن كلام البزار: كلام ساقط!!
وقال ابن عدي: "وعبد الملك بن عبد الملك معروف بهذا الحديث ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث وهو حديث منكر بهذا الإسناد.".
وصححه ابن خزيمة حيث رواه في كتاب التوحيد له وقد اشترط فيه الصحة.
وقد أخطأ ابن خزيمة في تصحيحه لما سبق بيانه من علل هذا الحديث.
ثم وقفت لكلام عجيب غريب لأحد طلاب العلم ألا وهو الشريف حاتم العوني فجاء بشيء غريب قلد فيه الحافظ ابن حجر.
فقال: "ولا يظنّنّ أحدٌ أن ابن خزيمة قد صححه بإخراجه في ( التوحيد ) الذي اشترط فيه الصحة، فإن ابن خزيمة قد أشار إلى ضعفه بتعليقه الإسناد أوّلاً ثم بتأخير ذكر إسناده عقب إيراده للمتن، وهذا اصطلاحٌ له في كتابه الصحيح والتوحيد ذكره هو عن نفسه في التوحيد ( 2/637 )، ونص عليه الحافظ ابن حجر في مواضع من إتحاف المهرة (2/365 رقم 1905) ".
وهذا فيه نظر من وجوه:
الوجه الأول: أن ابن خزيمة لم يقعد هذه القاعدة ولم يعممها في كتابه وإنما فعل ذلك مرة واحدة في موضع واحد قائلاً: "إنما قلت في هذا الخبر، روى هشام عن الحسن لأن البعض علمائنا كان ينكر أن يكون الحسن سمع من جابر".
الوجه الثاني: أن ابن خزيمة ذكر هذا عند حديث واحد في أواخر كتابه ولعله إنما يعني هذا الحديث وحده دون غيره ويدل عليه:
الوجه الثالث: أن ابن خزيمة يعلق الحديث ثم يسنده وهو صحيح أو حسن: انظر على سبيل المثال(1/31، 2/803)
الوجه الرابع: أن ابن خزيمة إذا كان يرى ضعف الحديث فإنه ينبه على ذلك سواء كان الحديث مسنداً من أساسه أو معلقاً.
انظر على سبيل المثال: (2/244، 533، 547، 748، 790، 806).
الوجه الخامس: أن ابن خزيمة علق أحاديث كثيرة ولم يضعفها وفيها ضعف، وكذلك أسند أحاديث وهي ضعيفة بالإجماع ومع ذلك لم يعلقها ولم ينبه على ضعفها.
مثال الأول: (1/321، 324، 2/575، 576، 621، 865).
مثال الثاني: (1/ 402 وهو حديث موضوع، 814،822، 852 وفيه عطية العوفي وهو ضعيف عند ابن خزيمة، 897وفيه متروك كذاب).
لذا يستطيع الباحث أن يقول: صححه ابن خزيمة.
وتصحيحه لهذا الحديث ليس بأعجب من تصحيحه حديث: ((إن الله قرأ طه ويس )) وهو حديث موضوع.
وعلى كل ؛ فتصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث غير مسلم بل هو مردود لما بينته من علل هذا الحديث والله أعلم.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية(2/557): " هذا حديث لا يصح ولا يثبت.
قال ابن حبان: عبد الملك يروي ما لا يتابع عليه، ويعقوب بن حميد ؛ قال يحيى والنسائي: ليس بشيء".
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/65) : "رواه البزار وفيه عبدالملك بن عبدالملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه وبقية رجاله ثقات.".
وفيما قاله الهيثمي نظر كبير.
فأبو حاتم جهّل عبد الملك ومصعب بن أبي ذئب والمجهول من قسم الضعيف.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب(3/283): رواه البزار والبيهقي بإسناد لا بأس به.
وقال الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة(ص/122): "هذا حديث حسن إن كان من رواية القاسم عن عمه وهو عبد الله الرحمن بن أبي بكر فإنه سمع منه وسمع عبد الرحمن من أبيه ولم يسمع القاسم من أبيه ولا أبوه من جده أخرجه الدارقطني في كتاب السنة عن عبد الله بن سليمان على الموافقة وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه"
وفيما قالاه نظر يتبين بما سبق.
والخلاصة: أن الحديث المروي عن أبي بكر –رضي الله عنه- حديث ضعيف جداً لا يصلح للاستشهاد والله أعلم.
ثانياً: حديث علي –رضي الله عنه-
تخريجه:
روي عن علي –رضي الله عنه- من أربعة طرق:
الطريق الأول:
رواه ابن ماجه(1/444رقم1388) والفاكهي في أخبار مكة(3/84رقم1837) والبيهقي في شعب الإيمان(3/378-379رقم3822) وفي فضائل الأوقات(ص/ 122-124رقم24) وابن بشران في الأمالي(ص/306-307رقم704) والديلمي في مسند الفردوس(1/259رقم 1007) والشجري في الأمالي(1/280) ومحمد بن عبد الواحد الأصبهاني في مجلس إملاء في رؤية الله (ص/306-307رقم 704) والثعلبي في الكشف والبيان(6/189-مخطوط) وقوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب(2/397رقم1860) وابن الجوزي في العلل(2/561رقم923) وعبد الغني المقدسي في الحث على الدعاء(ق7/2)-كما في مقدمة عمرو عبد المنعم سليم لتحقيقه جزء ابن الدبيثي(ص/38)- من طريق الحسن بن علي الحلواني الخلال عن عبد الرزاق أنبأنا أبو بكر ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها ؛ فإن الله ينْزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلي فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر)).
رواه عن الخلال: الحسن بن أبي علي النجار، محمد بن علي الصائغ، ابن ماجه، الفاكهي.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/379رقم3823) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا علي بن حمشاذ نا إبراهيم بن أبي طالب نا الحسن بن علي الحلواني فذكره. بإسناده وذكر فيه لفظ النُزُول، وقال –بدل: السائل-: ألا مبتلي فأعافيه، ألا كذا - غير أنه قال:- عن محمد بن عبد الله بن جعفر عن أبيه، ولم يذكر علياً.
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي ؛ هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لما سأله أسامة بن زيد –رضي الله عنهما-قائلاً: يا رسول الله! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال –صلى الله عليه وسلم-: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)).
"رواه أحمد(5/201) والنسائي(4/201) وابن خزيمة في صحيحه والضياء في المختارة وغيرهم وسنده حسن، صححه ابن خزيمة وحسنه الضياء،والمنذري والألباني وغيرهم".
فهذا الحديث يدل على فضيلة شهر شعبان وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصومه أو يصوم أكثره.
وقد دل على ذلك حديث عائشة –رضي الله عنها-.
فقد روى البخاري(2/695رقم1868-البغا) ومسلم(2/810رقم1156) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان)).
وفي لفظ آخر عنها –رضي الله عنه- قالت: ((كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا)).
وقد رويت أحاديث متعددة في أمور تتعلق بشهر شعبان وهي على أنواع كما يلي:
1- أحاديث في فضل صيام الشهر مطلقاً.
2- أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان ويومها وهي على أنواع:
أ- أحاديث في النزول الإلهي ليلة النصف ومغفرة الله لخلقه باستثناء المشرك والمشاحن وفي أحاديث استثنت العاق وقاطع الرحم والزانية.
بَ- أحاديث في فضل قيام ليلة النصف وبعض الصلوات المخصوصة، وبعض الأدعيه المروية عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة وأن الدعاء فيها لا يُرَدّ.
جَـ- أحاديث في فضل صيام يوم النصف على الخصوص.
دَ- أحاديث في أن الأعمال ترفع ليلة النصف وفيها تقسم الأرزاق وتقطع الآجال.
3- أحاديث في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.
4- أحاديث في النهي عن الصوم بعد انتصاف شهر رمضان.
5- أحاديث في النهي عن صيام الشك وأحاديث وصل شعبان برمضان وحديث سرر شعبان.
ونظراً لاقتراب ليلة النصف من شعبان ومشارفتها قدمت بهذه المقدمة وضمنتها خلاصة ما سبق ذكره من أنواع الأحاديث.
وهذه هي الخلاصة:
الباب الأول
الأحاديث الواردة في فضل صيام الشهر مطلقاً.
وقد سبق ذكر حديثين في ذلك وهما حديث أسامة وحديث عائشة –رضي الله عنهما-.
الباب الثاني
أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان ويومها.
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول:
الأحاديث الواردة في النُزول الإلهي ليلة النصف ومغفرة الله لخلقه
إلا من استثني
فقد ورد حيث النزول الإلهي عن جماعة من الصحابة وعن جماعة من التابعين مرسلاً ومن قول جماعة منهم.
فقد روي مرفوعاً من حديث: أبي بكر الصديق، وعلي، وعبد الله بن عمرو، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وأبي ثعلبة الخشني، وأبي موسى الأشعري، وأبي بن كعب، وعوف بن مالك، وأبي أمامة الباهلي،وعثمان بن أبي العاص، ويزيد بن جارية اليربوعي، وأم المؤمنين عائشة –رضي الله عنهم-.
وروى مرسلاً من طريق جماعة من التابعين وهم: كثير بن مرة الحضرمي "تابعي كبير مخضرم أدرك سبعين بدرياً وسمع معاذ بن جبل –رضي الله عنه- وعده بعضهم في الصحابة ولا يصح"، مكحول الشامي،راشد بن سعد، عطاء بن يسار ويحيى بن أبي كثير الطائي.
وروي مرسلا من طريق الوضين بن عطاء وهو من أتباع التابعين.
وروي موقوفاً على بعض التابعين منهم: كثير بن مرة الحضرمي، ومكحول، وأبو إدريس الخولاني، الفضيل بن فضالة الهوزني.
ومن ألفاظ ما ورد في ذلك:
حديث معاذ –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)).
حديث عائشة –رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب)).
حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: ((يطلع الله عز وجل إلى خلقة ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده الا لاثنين مشاحن وقاتل نفس)).
هذه نماذج من الأحاديث المسندة مما ورد فيما يتعلق بهذا الباب. وقد تضمنت عدة أمور:
الأمر الأول: نزول الرب جل وعلا ليلة النصف من شعبان.
الأمر الثاني: تحديد النزول في بعض الأحاديث من بداية الليل.
الأمر الثالث: مغفرة الله لخلقة سوى المشرك والمخاصم (المشاحن) والعاق وقاطع الرحم والزانية وقاتل النفس.
أما الأمر الأول: فهذا ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)).
وليلة النصف من شعبان داخلة فيه بلا شك.
إضافة إلى أن مجموع ما ورد في الباب يدل على ثبوت هذا اللفظ "أعني جملة -: ((إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا))" عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي تفصيله –إن شاء الله تعالى-.
أما الأمر الثاني: وهو تحديد نزول الرب جل وعلا بغروب الشمس (أول الليل) فلم يصح ذلك عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بل الحديث الوارد في ذلك ضعيف جداً أو موضوع كما يأتي بيانه –إن شاء الله تعالى-.
أما الأمر الثالث: وهو مغفرة الله لخلقه إلا من استثني فمجموع الروايات الصالحة للاستشهاد تثبت أن المغفرة واقعة في تلك الليلة لجميع الخلق إلا من استثني.
فيبقى النظر في الاستثناء:
# فقد استثني: المشرك وهذا قد دل عليه الكتاب والسنة كقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}، وكذلك مجموع الروايات الواردة في هذا الباب تثبت أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- نطق باستثناء المشرك من هذه المغفرة العامة.
#واستثني: المشاحن وهذا أيضاً ثابت بمجموع ما ورد في هذا الحديث، ويشهد له حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- في صحيح مسلم(4/1987) عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((تعرض الأعمال في كل يوم خميس وإثنين، فيغفر الله -عز وجل- في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اركوا هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا)).
اركوا: أي: أخروا وليست اللفظة: (اتركوا) –بالتاء- فتنبه.
# واستثني: العاق وقاطع الرحم ولا يظهر لي ثبوت هذا الاستثناء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث ولكنه داخل تحت قوله –صلى الله عليه وسلم-: ((أو مشاحن)).
ومن أعظم مشاحنة ومصارمة من العاق لوالديه وقاطع الرحم ؟!!
# واستثني: قاتل النفس ويظهر لي ثبوت هذا اللفظ عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-.
# واستثني: الزانية، ويظهر لي ثبوت هذا اللفظ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
والخلاصة: ثبوت استثناء أربعة: (المشرك، والمشاحن، وقاتل النفس، والزانية)).
ويظهر لي أن المراد بقاتل النفس الذي لم يتب.
الفصل الثاني:
الأحاديث الواردة في فضل قيام ليلة النصف وبعض الصلوات المخصوصة، وبعض الأدعيه المروية عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة.
والخلاصة: أنه لا يصح من ذلك شيء بل كلها أحاديث واهية.
فلا يجوز تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام لما تقرر من تحريم الإحداث في الدين والابتداع فيه.
ولكن من كان عادته قيام الليل دائماً أو متقطعاً فيستحب له إحياء تلك الليلة لإدراك فضيلتها.
الفصل الثالث:
الأحاديث الواردة في فضل صيام يوم النصف على الخصوص.
والخلاصة: أنه لا يصح من ذلك شيء بل كلها أحاديث واهية.
فلا يجوز تخصيص يوم النصف بصيام كما أنه لا يجوز تخصيص ليلتها بقيام.
أما من أحب أن يصوم من شعبان تأسياً بالرسول –صلى الله عليه وسلم وكان من ضمنه يوم النصف كان هذا حسناً.
وكذلك يوم النصف هو آخر الأيام البيض فمن صامها دخل فيها يوم النصف أضف إلى ذلك إذا وافق يوم النصف يوم الخميس أو الإثنين.
ولكن هذا غير متحقق هذا العام فيوم النصف هو يوم الأربعاء إلا على من يرى أن شهر شعبان بدأ يوم الخميس فيكون يوم النصف يوافق يوم الخميس والله أعلم.
الفصل الرابع:
الأحاديث الواردة في أن الأعمال ترفع ليلة النصف وفيها تقسم الأرزاق وتقطع الآجال.
والخلاصة: أنه لا يصح من ذلك شيء بل كلها أحاديث واهية.
الباب الثالث:
الأحاديث الواردة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين.
وقد وردت في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)).
والخلاصة في هذا ما قاله الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في فتح الباري(4/128): "أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف…
قال العلماء: معنى الحديث: لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان.
قال الترمذي لما أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ا.هـ".
الباب الرابع
ما ورد في النهي عن الصوم بعد انتصاف شهر رمضان.
وهو حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))
وقد اختلف العلماء في تصحيحه ومن ثم في معناه والعمل به.
والخلاصة: ما قاله الترمذي –رحمه الله-: "باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطراً فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان".
وسيأتي تفصيل ذلك –إن شاء الله تعالى-.
الباب الخامس:
الأحاديث الواردة في النهي عن صيام الشك وأحاديث وصل شعبان برمضان وحديث سرر شعبان.
من ذلك ما قاله عمار بن ياسر –رضي الله عنهما- (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-).
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال له أو لآخر: ((أصمت من سَرَر شعبان ؟)) قال: لا.
قال: ((فإذا أفطرت فصم يومين)). متفق عليه.
ونحوها من الأحاديث وسيأتي تفصيلها –إن شاء الله تعالى-.
والخلاصة: ما قاله ابن رجب –رحمه الله-.
قال –رحمه الله- في لطائف المعارف(ص/151): " صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطاً لرمضان فهذا منهي عنه وقد فعله بعض الصحابة، وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه.
والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور، ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر مطلقاً.
والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر منهم: الحسن وإن وافق صوماً كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه.
وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أولاً، وكذلك يفرق بين من تقدم صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضاً إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان".
هذا والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه، ويوفقني لإتمام هذا البحث في القريب العاجل على أكمل وجه.
وفي الختام أذكر بأن جماعة من العلماء قد كتبوا كتباً حول شعبان وليلة النصف منه .
من تلك الكتب:
1/ تحلية الشبعان في ما روي في ليلة النصف من شعبان للشيخ شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي.
2/ جزء:" ليلة النصف من شعبان وما ورد في فضلها" لابن الدبيثي تحقيق عمرو عبد المنعم سليم.
3/ كتاب: "ما جاء في شهر شعبان" لأبي الخطاب ابن دحية.
4/ كتاب: "إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان" للشيخ حماد الأنصاري –رحمه الله-.
5/ تخريج الشيخ الألباني لهذا الحديث في السلسلة الصحيحة(3/135رقم1144).
والله الموفق لا رب سواه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي
تخريج حديث ((ليلة النصف من شعبان)).
أولاً: حديث أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-
تخريجه:
رواه عثمان الدارمي في الرد على الجهمية(ص/81رقم136) والبزار في مسنده(1/206رقم80) وابن أبي عاصم في السنة(1/354رقم521) وابن عدي في الكامل(5/ 309) والفاكهي في أخبار مكة(3/85رقم1838) والعقيلي في الضعفاء(3/29) وابن خزيمة في التوحيد(1/325-327رقم200) والمروزي في مسند أبي بكر(ص/171رقم104) والدارقطني في كتاب النزول(ص/155-157رقم75،76) وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان(1/426-العلمية) وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان(2/149) واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة(3/438رقم750) وابن بطة في الإبانة(3/222-224رقم173) والديلمي في مسند الفردوس(5/254رقم8107) وابن زنجويه-كما في جمع الجوامع1/1017) والشجري في الأمالي(2/107-108) والبيهقي في شعب الإيمان(3/381رقم2828) والبغوي في شرح السنة(4/127رقم993) وفي التفسير(4/148) وابن الجوزي في العلل المتناهية(2/557رقم916) وابن الدبيثي في جزئه"ليلة النصف من شعبان وفضلها"(ص/111-114رقم1) وابن حجر في الأمالي المطلقة(ص/122) من طرق عن عبدالله بن وهب قال نا عمرو بن الحارث حدثني عبدالملك بن عبدالملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عن أبي بكر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان ينْزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيغفر لعباده إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه)).
ورواه عن عبد الله بن وهب: أحمد بن صالح المصري، أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، سعيد بن منصور، عيسى بن يونس ، الأصبغ بن الفرج المصري، أحمد بن عيسى المصري، عمرو بن مالك، يونس بن عبد الأعلى،يعقوب بن حميد بن كاسب.
ووقع في رواية ابن عدي والفاكهي: عن أبيه أو غيره.
ووقع عند الدارمي: مصعب بن أبي الحارث.
وقد اختلف على يعقوب بن حميد بن كاسب فيه فرواه عنه جماعة من الحفاظ كما سبق.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/381رقم3828) من طريق جعفر بن أحمد الحافظ حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب نا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك بن عبد الملك وهو من ولد ابن حميد عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عمه عن جده أبي بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره ؛ غير أنه قال: ((لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء أو مشرك بالله)).
فذكر: "عن عمه" ولم يشك.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/380رقم3827) من طريق خالد بن خراش وأصبغ بن الفرج قالا نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك بن عبد الملك أن مصعب بن أبي ذئب حدثه عن القاسم بن محمد بن ابي بكر عن أبيه عن عمه عن جده –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((ينْزل الله إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل شيء إلا رجل مشرك أو رجل في قلبه شحناء)).
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/381رقم3829) من طريق سعيد بن عثمان الأهوازي نا احمد بن عيسى المصري نا عبد الله بن وهب بإسناده غير أنه قال عن أبيه وعمه عن أبي بكر الصديق، وقال: ((فيغفر لكل مؤمن إلا العاق أو المشاحن)).
الحكم عليه:
إسناده ضعيف جداً فيه أربع علل:
العلة الأولى: عبد الملك بن عبد الملك الفهري: قال البخاري: فيه نظر.
وقال –مرة-: في حديثه نظر، يعني هذا الحديث كما بينه العقيلي والذهبي وابن حجر.
وقال ابن حبان في المجروحين(2/136): منكر الحديث جداً يروي مالا يتابع عليه فالأولى في أمره ترك ما انفرد به من الأخبار.
وقال البزار: ليس بمعروف. ونحوه قول أبي حاتم الرازي: مصعب بن أبى ذئب روى عن القاسم بن محمد روى عنه عبد الملك بن أبي ذئب …لا يعرف منهم الا القاسم بن محمد.
وقال الدارقطني: متروك
قال ابن عدي: وعبد الملك بن عبد الملك معروف بهذا الحديث ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث وهو حديث منكر بهذا الإسناد.
"رَ: لسان الميزان(4/462-مرعشلي) سؤالات البرقاني(ص/45)".
العلة الثانية: مصعب بن أبي ذئب: قال أبو حاتم: لا يعرف.
وذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في توثيق المجاهيل ممن لم يقف لهم على مناكير في روايتهم تكون العهدة عليهم فيها.
العلة الثالثة: الاختلاف في شيخ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-.
فروي عنه عن أبيه أو عمه عن جده.
وروي عنه عن أبيه أو غيره عن جده.
وروي عنه عن أبيه عن عمه عن جده.
وروي عنه عن أبيه وعمه عن جده.
وهذا الاختلاف يدل على عدم ضبط الحديث وسببه كما هو ظاهر عبد الملك ومصعب.
العلة الرابعة: الانقطاع والجهالة.
فالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق لم يسمع من أبيه وأبوه محمد بن أبي بكر الصديق لم يسمع من أبيه الصديق.
هذا على رواية القاسم بن محمد عن أبيه عن جده.
أما على رواية القاسم عن أبيه عن عمه عن جده. فمنقطع بين القاسم وأبيه فقط.
وأما على رواية القاسم عن أبيه أو عمه عن جده ففيه احتمال انقطاع وهو شك يغلب فيه جانب الانقطاع.
وأما على رواية القاسم عن أبيه أوغيره عن جده ففيه الانقطاع وجهالة هذا الغير.
وأما على رواية القاسم عن أبيه وعمه فسالمة من الانقطاع والجهالة ولكن تبقى العلل الثلاثة الأولى.
وأما رواية القاسم عن عمه عن جده بلا شك ففيها علة أخرى وهي: يعقوب بن حميد بن كاسب فقد جاءت من طريق وفيه ضعف وقد اختلف عليه:
فرواه عنه جماعة من الحفاظ: "عن أبيه أو عمه – على الشك-" ورواه الحافظ جعفر بن أحمد: "عن عمه " بلا شك وهذا الاختلاف لعله من يعقوب هذا والله أعلم.
أقوال العلماء في هذا الطريق:
قال البخاري –رحمه الله-: في حديثه نظر. وأقره العقيلي والذهبي.
وقال العقيلي: "وفى النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله".
قال البزار-رحمه الله-: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه وقد روي عن غير أبي بكر وأعلى من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وإن كان في إسناده شيء فجلالة أبي بكر تحسنه! وعبدالملك بن عبدالملك ليس بمعروف وقد روى هذا الحديث أهل العلم ونقلوه واحتملوه فذكرناه لذلك.".
يقول أبو عمر: وهذا من البزار غريب جداً! فما علاقة جلالة الصحابي بصحة سنده وحسنه ؟!
وهذا مما حدا بالهيثمي أن يقول عن كلام البزار: كلام ساقط!!
وقال ابن عدي: "وعبد الملك بن عبد الملك معروف بهذا الحديث ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث وهو حديث منكر بهذا الإسناد.".
وصححه ابن خزيمة حيث رواه في كتاب التوحيد له وقد اشترط فيه الصحة.
وقد أخطأ ابن خزيمة في تصحيحه لما سبق بيانه من علل هذا الحديث.
ثم وقفت لكلام عجيب غريب لأحد طلاب العلم ألا وهو الشريف حاتم العوني فجاء بشيء غريب قلد فيه الحافظ ابن حجر.
فقال: "ولا يظنّنّ أحدٌ أن ابن خزيمة قد صححه بإخراجه في ( التوحيد ) الذي اشترط فيه الصحة، فإن ابن خزيمة قد أشار إلى ضعفه بتعليقه الإسناد أوّلاً ثم بتأخير ذكر إسناده عقب إيراده للمتن، وهذا اصطلاحٌ له في كتابه الصحيح والتوحيد ذكره هو عن نفسه في التوحيد ( 2/637 )، ونص عليه الحافظ ابن حجر في مواضع من إتحاف المهرة (2/365 رقم 1905) ".
وهذا فيه نظر من وجوه:
الوجه الأول: أن ابن خزيمة لم يقعد هذه القاعدة ولم يعممها في كتابه وإنما فعل ذلك مرة واحدة في موضع واحد قائلاً: "إنما قلت في هذا الخبر، روى هشام عن الحسن لأن البعض علمائنا كان ينكر أن يكون الحسن سمع من جابر".
الوجه الثاني: أن ابن خزيمة ذكر هذا عند حديث واحد في أواخر كتابه ولعله إنما يعني هذا الحديث وحده دون غيره ويدل عليه:
الوجه الثالث: أن ابن خزيمة يعلق الحديث ثم يسنده وهو صحيح أو حسن: انظر على سبيل المثال(1/31، 2/803)
الوجه الرابع: أن ابن خزيمة إذا كان يرى ضعف الحديث فإنه ينبه على ذلك سواء كان الحديث مسنداً من أساسه أو معلقاً.
انظر على سبيل المثال: (2/244، 533، 547، 748، 790، 806).
الوجه الخامس: أن ابن خزيمة علق أحاديث كثيرة ولم يضعفها وفيها ضعف، وكذلك أسند أحاديث وهي ضعيفة بالإجماع ومع ذلك لم يعلقها ولم ينبه على ضعفها.
مثال الأول: (1/321، 324، 2/575، 576، 621، 865).
مثال الثاني: (1/ 402 وهو حديث موضوع، 814،822، 852 وفيه عطية العوفي وهو ضعيف عند ابن خزيمة، 897وفيه متروك كذاب).
لذا يستطيع الباحث أن يقول: صححه ابن خزيمة.
وتصحيحه لهذا الحديث ليس بأعجب من تصحيحه حديث: ((إن الله قرأ طه ويس )) وهو حديث موضوع.
وعلى كل ؛ فتصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث غير مسلم بل هو مردود لما بينته من علل هذا الحديث والله أعلم.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية(2/557): " هذا حديث لا يصح ولا يثبت.
قال ابن حبان: عبد الملك يروي ما لا يتابع عليه، ويعقوب بن حميد ؛ قال يحيى والنسائي: ليس بشيء".
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/65) : "رواه البزار وفيه عبدالملك بن عبدالملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه وبقية رجاله ثقات.".
وفيما قاله الهيثمي نظر كبير.
فأبو حاتم جهّل عبد الملك ومصعب بن أبي ذئب والمجهول من قسم الضعيف.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب(3/283): رواه البزار والبيهقي بإسناد لا بأس به.
وقال الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة(ص/122): "هذا حديث حسن إن كان من رواية القاسم عن عمه وهو عبد الله الرحمن بن أبي بكر فإنه سمع منه وسمع عبد الرحمن من أبيه ولم يسمع القاسم من أبيه ولا أبوه من جده أخرجه الدارقطني في كتاب السنة عن عبد الله بن سليمان على الموافقة وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه"
وفيما قالاه نظر يتبين بما سبق.
والخلاصة: أن الحديث المروي عن أبي بكر –رضي الله عنه- حديث ضعيف جداً لا يصلح للاستشهاد والله أعلم.
ثانياً: حديث علي –رضي الله عنه-
تخريجه:
روي عن علي –رضي الله عنه- من أربعة طرق:
الطريق الأول:
رواه ابن ماجه(1/444رقم1388) والفاكهي في أخبار مكة(3/84رقم1837) والبيهقي في شعب الإيمان(3/378-379رقم3822) وفي فضائل الأوقات(ص/ 122-124رقم24) وابن بشران في الأمالي(ص/306-307رقم704) والديلمي في مسند الفردوس(1/259رقم 1007) والشجري في الأمالي(1/280) ومحمد بن عبد الواحد الأصبهاني في مجلس إملاء في رؤية الله (ص/306-307رقم 704) والثعلبي في الكشف والبيان(6/189-مخطوط) وقوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب(2/397رقم1860) وابن الجوزي في العلل(2/561رقم923) وعبد الغني المقدسي في الحث على الدعاء(ق7/2)-كما في مقدمة عمرو عبد المنعم سليم لتحقيقه جزء ابن الدبيثي(ص/38)- من طريق الحسن بن علي الحلواني الخلال عن عبد الرزاق أنبأنا أبو بكر ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها ؛ فإن الله ينْزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلي فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر)).
رواه عن الخلال: الحسن بن أبي علي النجار، محمد بن علي الصائغ، ابن ماجه، الفاكهي.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان(3/379رقم3823) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا علي بن حمشاذ نا إبراهيم بن أبي طالب نا الحسن بن علي الحلواني فذكره. بإسناده وذكر فيه لفظ النُزُول، وقال –بدل: السائل-: ألا مبتلي فأعافيه، ألا كذا - غير أنه قال:- عن محمد بن عبد الله بن جعفر عن أبيه، ولم يذكر علياً.