لماذا نُصلِّي الاستخارة
قد يعرِضُ للعَبدِ أمورٌ عديدةٌ واختياراتٌ مُتبايِنةٌ تَقومُ عليها أمورُ دينِه ودُنياهُ، فتَصنَعُ الحِيرةُ في أمرِهِ ما يُعجِزُهُ عن الاختيارِ ويَمنَعُه من اتّخاذِ القرار، فَيلجأُ لأَهلِ الخِبرةِ مُستَشيراً ولِربِّهِ مُستّبصِراً مُستَنيراً، ويَعقِدُ العَزمَ إذا استَخارَ إلى ما يُرجِّحُهُ عَقلُهُ وتَستقرُّ فيهِ راحةَ قلبِه ويَرى فيهِ التَّيسيرَ وأفضَلَ التَّخيير.[١]
مَفهوم الاستخارة
الاستِخارةُ لُغةً: كلمةٌ مُفرَدَةٌ مصدَرُها (خَارَ) من الخَيْرِ والخِيَرة، وخَارَ الأَمرَ: جعَلَ لهُ فيهِ الخَير، يُقال: خايَرَهُ فَخارَه الشّيءَ خَيْراً، وخِيَراً، وخِيرَةً، وخِيَرَةً: انتقاه واصطفاه.[٢] وخَيَّرَ بينَ الأشياءِ: فضَّلَ بَعضَها على بَعضٍ، واستَخارَهُ: طَلَبَ مِنْهُ الخَير، والاسْتِخارَةِ: اسمٌ بِمعنى طَلَبُ الخَيْرِ في الشَّيءِ. يُقَالُ: اسْتَخِرْ من مَصدر اسْتَخارَ، أي استخِر اللَّهَ يَخِرْ لَك.[٣]
والاسْتِخارَةُ في الاصْطِلاحِ طَلَبُ الاخْتِيَارِ، أَيْ طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ وَالأَوْلَى، بِالصَّلاةِ أَوْ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي الِاسْتِخَارَةِ، وهي أيضاً: طَلبُ الخِيَرةِ في شَيءٍ، وهي اسْتفعالٌ من الخَير أو من الخِيَرة، واستَخَار الله أي سأَلَهُ أن يُوفِّقَهُ إلى اختيارِ ما فيهِ مصلَحَته وأَن يُعجِّلَهُ له، وأن يَطلُبَ من الله أَخيَرَ الأَمريْنِ. وخَارَ الله له: أعطاه ما هو خيرٌ له، والمُراد: طَلبُ خَير الأمرَين لِمن احتاجَ إلى أحَدِهِما.[٤]
وصَلاةُ الاسْتِخارةِ: صَلاةٌ تُؤدَّى لِطَلَبِ الخِيَرَةِ من الله في أمورِ الدُّنيا كالزَّواجِ والعَملِ والسَّفَرِ والتِّجارةِ وغيرِها، وهيَ رَكعَتان يُصلِّيهمَا المُسلم إذا اخْتار بَين أمرين، داعياً الله عَزَّ وجَلَّ بدعاءٍ مَخصوص أن يوفِّقه إلى ما فيهِ الخَير.[٥]
كَيفَ نُصلِّي الاستِخارة
كان الرّسولُ عليه الصّلاة والسّلام يُعَلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعَلِّمُ السّورةَ من القرآنِ، يقولُ: (إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ: اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم فإن كنتَُ تَعلَمُ هذا الأمرَ - ثم تُسمِّيه بعينِه - خيراً لي في عاجلِ أمري وآجلِه - قال: أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري - فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهم وإن كنتَُ تَعلَمُ أنّه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري - أو قال: في عاجلِ أمري وآجلِه - فاصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به )،[٦] وفي الحَديثِ يُعلِّم الرَّسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أصحابهُ كيفيَّةَ أداءِ الاستِخارةِ مُبيِّناً حُكمَها ومِقدارَها، فهيَ رَكعتينِ من غيرِ الفريضَةِ تَشتَرِطُ الوضوءَ والنيَّة، وهِيَ سُنَّةٌ مُستَحبَّةٌ تُجزِئ عنها صلاةُ النَّافلةِ كالسُّنَنِ أوِ الرَّواتِبِ أو صَلاة اللَّيل، ولا تَجوزُ في أوقاتِ الكراهية، وتَشتَمِلُ الاستِخارةُ في أدائِها دُعاءَ الاستِخارة، ويَكونُ قَبلَ السَّلامِ من الصَّلاةِ أو بَعده.[٧] وفِيما يَأتي ترتيبٌ لكيفيَّةِ أداءِ صَلاةُ الاسْتِخارة:
*النيَّةُ والوضوء.
*صلاةُ رَكعتينِ معَ استِحبابِ قراءةِ (قُل يا أيُّها الكافِرونَ)[٨] في الرَّكعةِ الأولى و(قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ)[٩] في الرَّكعَةِ الثَّانيَة.
*الدُّعاءُ المَخصوصُ للاسْتِخارَة كَمَا وَرَدَ عَنِ الرَّسولِ-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- (اللَّهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك..) ويَكونُ مَوضِعُهُ بَعدَ التَشهُّدِ قَبلَ السَّلامِ من الصَّلاة أو بَعد الخُروجِ مِنها بالتَّسليم.
*يَتضمَّنُ دُعاءُ الاسْتِخارَةِ ذِكرُ الحاجَةِ أو الأمرُ المُستَخارُ فيهِ عِندَ مَوضِعِ (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ ... ثُمَّ يُسمَّى الأَمرُ المُستَخارُ).
*بَعدَ تَمامِ الصَّلاةِ والدُّعاء يَسعى الإنسانُ في طَلبِ ما استَخارَهُ مُتوكِّلًا على الله دونَ تواكُلٍ أو تَخاذُلٍ، مُتيَقِّناً بِما سَيَقضيهِ الله في أمرِه من تَيسيرٍ أو تَبديلٍ.[١٠] وقَدْ تَكونُ علاماتُ الاسْتِخارَةِ بالتَّيسيرِ والتَّوفيقِ أو الرُّؤى، قَالَ النَّووي: (يَنبَغي أن يَفعَل بَعدَ الاسْتِخارَة ما يَنشَرِحُ له، فلا يَنبغي أن يَعتمِد على انشِراحِ ما كانَ لهُ فيهِ هَوى قَبل الاسْتِخاَرة، بلْ يَنْبَغي للمُستَخيرِ تَرك اخْتِيارِه رَأساً، وإلَّا فلا يَكونُ مُستَخيراً لله، بَلْ يَكونُ مُستَخيراً لِهواهُ، وقَد يَكون غَيرَ صادِقٍ في طَلَبِ الخِيرَةِ وفي التَّبرُّءِ مِن العِلمِ والقُدرَةِ وإثباتِهِمَا لله تَعالى، فإِذا صَدَقَ في ذلك تَبَرَّأ مِن الحَولِ والقُوَّةِ ومِن اخْتِيارِه لِنفسِه).[١١]
مَشروعيَّةُ صَلاةِ الاسْتِخَارَة
أَجمَعَ العُلَماءُ على اعْتِبارِ الاسْتِخارَة سُنّةً مع الاسْتِحباب امتِثالاً لِقولِ الرَّسولِ-عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: (إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ: اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ...)، وذَهَبَ البَعضُ لِقول: (لا يَنبَغي لِأَحَدٍ أَن يُقدِمَ على أَمرٍ مِن أُمورِ الدُّنيا حتَّى يَسأَلَ الله الخِيَرَةَ في ذلِكَ على أن تَكونَ الاسْتِخارَةُ فيمَا يُباحُ فِعلُهُ مِن أُمورِ الدُّنيا مِن غَيرِ الواجِباتِ والفَرائِضَ والسُّنَنْ).[١٢] فالاسْتِخارَةُ سُنَة لِمَنْ خُيِّرَ بينَ أَمرينِ ولَم يَرجَحْ لهَ أَخيَرَهُما، أو لِمَن همَّ بشَيءٍ ولم يَتبيَّن له رجحان فِعلِه أو تَركه.[١١]