السلام عليكم

قيل أن كل مسلم خطاء وخير الخطاءين التوابين , فالوقوع في الخطأ وارد جدا حتى وان كان الإنسان مسلما , لكن الله سبحانه وتعالى يفتح دائما باب التوبة , بحكم أن رحمته وسعت كل شيء , فما على الخطاء إذن إلا أن يندم على فعلته ويؤنب نفسه ثم يتوب إلى الله سبحانه وتعالى قدر المستطاع , ويرجوا الثبات على الطريق المستقيم , ولكن الأمر قد يصعب في بعض الأحيان , وكل ذلك مفهوم ومقبول وفي كل الأحوال , لهذا العودة للوقوع في نفس الخطأ وارد أيضا , فالمسلم قد يخطأ ثم يندم ويصر بعد ذلك على عدم الوقوع في الخطأ , لكنه وفي غفلة منه يعود إلى نفس الخطأ , قد يكون الاستغفار والندم كافيا لقبول التوبة , لكن فقط عندما يتعلق الخطأ بأمور خاصة بين المسلم وربه , بمعنى أمور لا يمكن لها أن تضر بغيره أو بالأمة الإسلامية بأكملها , أما في هته الحالة الأخيرة , فطريقة التوبة تختلف تماما , ولا يمكن أبدا الاكتفاء بالاستغفار والندم , لأنه لا مجال للعودة إلى نفس الخطأ الذي يمكن أن يصبح وبالا على الأمة بأكملها , وبالتالي يجب القضاء على الخطأ بكل حزم وشدة ومن جذوره , ومن بين الأخطاء الشائعة والتي يصل ضررها إلى أبعد حد , هناك الزنا , قال تعالى ( ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا ) فبالإضافة إلى الضرر الذي تلحقه الزنا بمرتكبها , فهي تضر بشكل كبير بالمجتمع كاملا , فهي كالمرض الذي يمكن له أن يتحول إلى وباء يصيب الجميع , لهذا من الضروري القضاء عليها بشكل نهائي وتام , ولا يتم هذا إلا بإزالة كل الظروف التي تشجع على الوقوع في هته الفاحشة , فالله سبحانه وتعالى رحيم بالعباد , وقوانين القرآن الكريم , هي قوانين رحمة وعتاب , وليست قوانين عذاب وعقاب , عكس تماما قوانين الشيطان الرجيم والتي هي عبارة عن قوانين زجرية لا علاقة لها بالمنهج الإصلاحي وهذا باعتراف القانون المسير للأمة الإسلامية .
خط
قال تعالى ( سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينات لعلكم تذكرون ) كل سور القرآن الكريم هي منزلة من الله سبحانه وتعالى , ومفروض على الأمة الإسلامية تطبيقها بالشكل المناسب وكما أراد الله سبحانه وتعالى , ولا يمكن لنا كمسلمين أن نرفع من شأن سورة أو آية لنحط من قيمة غيرها , لأننا نؤمن بالقرآن كله , لا نخرج منه ولا نزيغ عنه , نعمل بما فهمناه قدر المستطاع , ونحاول تدبر ما جهلناه للعمل به فيما يفيدنا في ديننا ودنيانا , وبالتالي فالمقصود هنا بالسورة , ليست سورة النور بأكملها , وإنما أول السورة , أي الآية الأولى من السورة بعد هته الآية , ولم يأتي ذكرها لأهميتها الخاصة , وإنما توضيح من الله سبحانه وتعالى أنه لا يمكن فهم المعنى أو تطبيق الآية الثانية من سورة النور إلا من خلال الآيات التي تأتي بعدها مباشرة , بحكم أنها وحدها القادرة على تبيان الفهم الصحيح , وبالتالي تطبيق الحكم بالشكل السليم وكما أراد الله سبحانه وتعالى , قال تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) إذن فلا يمكن لنا تطبيق هته الآية والتي هي عبارة عن حكم الزاني والزانية , إلا بالفهم الصحيح لمعنى الجلد ومعنى مائة جلدة , ولا يمكن لنا هذا إلا بالعودة إلى الآيات التي بعدها , وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى , دليله الآية الأولى من سورة النور , فما معنى الجلد وما معنى مائة جلدة إذن , قال تعالى ( ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ) لأن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء هو غير موجود ودائم الحضور , فرحمته مخلوقة وموجودة , يستمد منها المسلم الحنان والعطف والرأفة بالعباد , وهته الصفات تصاحب المسلم إلى كل مكان وفي كل الأوقات مهما بلغت شدته وغضبه , فهدا هو حال المسلم , وهته هي نتيجة اعتناق دين الإسلام العقيدة الوحيدة والخالية من الشرك بالله سبحانه وتعالى , قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) فلا يمكن لله سبحانه وتعالى أن يأمر المسلم بجلد الزاني والزانية من دون رأفة , وهو الذي غمره بالحنان والعطف والرحمة , حتى أصبحت هته الصفات جزء لا يتجزأ من المسلم , فالله سبحانه وتعالى لا يأمرنا أن نواصل عملية الجلد حتى وان شعرنا بالرأفة والعطف على المجلود , وإنما يأمرنا أن نقوم بعملية الجلد من دون أن نشعر بالرأفة والرحمة , وهذا لا يمكن للمسلم أبدا , إذن فلا يمكن أن يكون الجلد هنا بالمفهوم المألوف , وإنما المقصود إزالة جلد الزنا من على الزاني والزانية , أي تغيير جلودهم بإخراجهم من جرم الزنا , وإبعادهم قدر الإمكان عن العودة للوقوع في الفاحشة ثانية , ومن تم يتغير أيضا مفهوم مائة جلدة إلى مائة يوم , أي ما يقارب ثلاث أشهر وعشرة أيام , لأن الله سبحانه وتعالى تحدث عن اليوم الأخر , في إشارة إلى عدد الأيام , لكن كيف يتم كل ذلك .
خط

قال تعالى ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) رغم أن هذا الحكم يعتبر عذابا للزاني والزانية لكنه في حقيقة الأمر هو رحمة وإصلاح علمي يتم من خلاله إعادة تكوين الزاني والزانية على التربية الحسنة وإبعادهم بشكل نهائي عن الوقوع في فاحشة الزنا , وبالتالي فمهمة الطائفة التي تشهد عذابهما هو التكفل بهذا الأمر , فيمكن اعتبار الطائفة إذن كمركز لإعادة تربية الزاني والزانية , يشرف عليه علماء الدين من كل المذاهب , واختصاصيو علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهم , ولا يمكن للزاني والزانية مغادرة المركز إلا بعد انقضاء مدة إعادة التربية والمحددة في ثلاث أشهر وعشرة أيام , لكن تضاف إلى هذا كله نتيجة أخرى ولها من الأهمية الكبرى قال تعالى (الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك ) إذن فهذا المركز وبالإضافة إلى الزناة سواء رجالا أو نساءا فهو يضم أيضا المشركون بالله سبحانه وتعالى , والمقصود هنا بالمشركين هم الذين على غير دين الإسلام وأرادوا أن يعتنقوا هذا الدين , فهؤلاء مرحب بهم أيضا في هذا المركز , ومفروض على كل نزيل داخل المركز , وطيلة مدة إقامته , أن يختار زوجة له من نفس المركز سواء كانت مسلمة زانية أو مشركة تمهد للدخول في الإسلام , بحكم أن الزاني لا يمكن له أن يتزوج إلا زانية أو مشركة , وكل هذا طبعا يكون تحت إشراف القائمين على المركز . وهكذا وفي مدة تقارب ثلاث شهور وعشرة أيام , يخرج الإنسان من المركز متزوجا , متشبعا بأفكار صحيحة يمكن من خلالها أن يعيد بناء نفسه تحت ظل الإسلام وبمشيئة الله سبحانه وتعالى , بهذا فقط يمكن لنا أن نقضي على ظاهرة الزنا وأن نكون مجتمعا راقي فكريا ودينيا وفي مدة قصيرة جدا , لهذا يجب على الطائفة أو القائمين على المركز أن يكونوا مؤهلين وقادرين على القيام بهذا العمل , قد يسخر البعض ويقول أن هناك أمور أهم يجب الاهتمام بها عوض التحدث عن هته الخرافات البسيطة , فبحكم أن هته الخرافات البسيطة هي أوامر من الله سبحانه وتعالى , فلا يمكن لنا إلا أن نلتزم الصمت أمام هذا القول الأخير لعل قائله يفهم المقصود .